
“لم أتعامل مع دروس الخصوصي ولا البطاقات ولا المنصات”، قالت الطالبة رغد الصانع، الأولى على المملكة في الفرع العلمي بمعدل 99.9%، في مقابلة صحفية. تداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي هذا المقطع على نطاق واسع فيما عدّه البعض “ضربة لمنصات التوجيهي” التي تبيع الطلبة بطاقات دراسية تشرح لهم موادهم المدرسية. خلال فترة التعلّم عن بعد أثناء جائحة كورونا، ذاع صيت بطاقات التوجيهي بين الطلبة، إذ أتاحت لهم حضور فيديوهات مسجلة تشرح المواد. الفكرة من البطاقات هي تقديم تعليم مدفوع مساند للمدرسة، مثل الدوسيات والمراكز والحصص الخصوصية، لكنّها بانتشارها الواسع أصبحت بديلًا عنه يعتمد عليه الطلبة بشكل رئيسي.
تغطّي كل بطاقة مادة دراسية للفصل الأول أو الثاني، وتحمل رقمًا تسلسليًا يتيح لطالب واحد فقط الدخول للموقع من أجل حضور الحصص. مجموع مواد التوجيهي ثمانية، وعلى مدار فصلين، يشتري بعض الطلبة 16 بطاقة، تتراوح تكلفة الواحدة من 35 إلى 150 دينار بحسب نوع البطاقة واسم المركز وشهرة المعلم/ة الذي يقدّم المادة. تنقسم أنواع البطاقات حسب طريقة الشرح إلى ثلاثة: دورة مسجّلة تتيح مشاهدة فيديوهات مسجّلة مسبقًا مع مجموعات واتساب للاستفسار، ودورة تفاعلية تقدّم حصص زوم أو بث مباشر وتتيح مساحة أكثر لتفاعل الطلبة مع المعلم/ة، والدورة الوجاهية وهي حصص تعقد في المركز نفسه.
أمّا من ناحية المستوى، فتُقسم البطاقات إلى عدّة أنواع هي: بطاقة التأسيس (دورة تحضيرية لأهم مواد التوجيهي)، والبطاقة العادية (شرح مواد التوجيهي)، وبطاقة المكثف (تسبق امتحانات الوزاري وتركّز على المراجعات والاسئلة المتوقّعة)، والبطاقة الذهبية (بكجات فيها 3 مواد معها خصم على المادة الرابعة، أو 5 مواد معها الدوسيات مجانًا، أو 6 مواد معها دورة وجاهية مجانًا…) جميع هذه البطاقات صالحة للاستخدام مرة واحدة، ولا يمكن تبادلها أو تمريرها لشخص آخر أو تحميل فيديوهاتها أو فتح حساب المنصة من أكثر من جهاز أو حتى عمل لقطة شاشة للفيديو.
يتحمّل الأهالي ما متوسطه 500 دينار خلال السنة مقابل هذه البطاقات من أجل الوصول لتعليم من المفترض أن تقدّمه المدارس. تغيّبت سلمى مثلًا، خلال التوجيهي عن 70% من دوام المدرسة لاعتقادها بعدم جدوى الحصص وسوء التعليم قائلة إنّ بعض المعلمات شجّعنها على شراء هذه البطاقات، إذ تمتنع بعض المدارس عن رفع معدلات الغياب الحقيقية لوزارة التربية والتعليم والتي تشترط أن لا يتجاوز غياب الطالب 20 يومًا. أما زميلتها ملاك، والتي تنتمي لأسرة لا تستطيع تحمّل هذه التكاليف فهي مضطرة للاعتماد على نفسها أو القدوم إلى المدرسة (مع عدد قليل من الطلبة) من أجل حضور الحصص التي “تتكرم” فيها المعلمات بالشرح.
قانونيًا، تمنع تشريعات وزارة التربية والتعليم تقديم أي دورات في المراكز الثقافية مبنية على المناهج الدراسية، إلّا أنّ القانون لم يورد أي ذكر على “الخدمات الإلكترونية” التي تبرر بها المراكز موقفها. يتم الترويج لهذه المنصات بصفتها رائدة التعليم المدمج في الأردن، تقول صحيفة الرأي مثلًا إنّ جو أكاديمي تكسر فوبيا الاستعداد لامتحانات الثانوية العامة، ويصف تقرير آخر المنصة بتقديم مصادر تعلّم وأدوات لا محدودة لدراسة فعّالة.
أشهر هذه المنصات الرقمية هي “وتد” و”جو أكاديمي” و”حصص أونلاين”، ظهر بعضها بصفتها مواقع، واستُحدِث البعض الآخر عن مراكز تعليمية موجودة مسبقًا لها مكتبات تبيع الدوسيات والمكثفات الحصرية. أمّا المعلمون/ات العاملين فيها فغالبيتهم يعملون في مدارس خاصة خصوصًا بعد منع مدرسي الحكومة من العمل في المراكز. يُسبّب ارتهان الطلبة لهذه المنصات غياب الرقابة أيضًا، فكثير منهم عرضة للمشاكل التقنية وتأخير رفع الفيديوهات وانخفاض جودة الشرح، وهم غير قادرين على استعادة أموالهم في أي حالة، لأنّ الدفع المسبق شرط لفتح المنصة، عدا عن اشتراط المنصة وجود رقم هاتف لكل طالب من أجل تسجيل الدخول.
أصبحت بطاقات المراكز والمنصات متطلّبًا بَدَهيًا لطلبة الثانوية العامة اليوم في ظل غياب خطط تأهيل وتحسين جودة التعليم المدرسي واعتماد الطلبة على خيارات بديلة لضمان وصولهم للشرح اللائق. بالنسبة لسلمى، فإنها لم تكن لتتمكن من النجاح بمعظم مواد الثانوية العامة بدون استعانتها بهذه البطاقات. ورغم المساعدة التي تقدّمها هذه المصادر للطلبة، إلّا أنّها ليست حلاً مستدامًا لمشاكل جذرية عديدة، وفي كثير من الأحيان، حوّلت هذه البطاقات الحق في التعليم إلى تجارة تحتكرها بعض الجهات الربحية.