مدونات الطلبة

منتدى الاستراتيجيات: كيف نعزز استقلالية الجامعات الأردنية؟ 

تناولت واحدة من أوراق السياسات الصادرة عن منتدى الاستراتيجيات الأردني واحدة من أهم الملفات الملحة في المشهد التعليمي الأردني، وهو مستوى استقلالية الجامعات الأردنية الرسمية، وهو مفهوم يشير لقدرة الجامعات على اتخاذ قراراتها دون تدخل خارجي سواء من الحكومات أو أي جهات أخرى، وهو مفهوم اعتمدته الورقة نقلاً عن دراسة صادرة عن البنك الدولي. محليًا، حددت رؤية التحديث الاقتصادي “إرساء الاستقلال الأكاديمي والمالي والمؤسسي لمؤسسات التعليم العالي” هدفًا لتطوير قطاع التعليم، وفي ضوء ذلك، جاءت ورقة المنتدى لبحث السبل الممكنة لتعزيز استقلالية الجامعات الأردنية الرسمية. 

تقدم الورقة شرحًا معرفيًا للتطور التاريخي لمفهوم استقلالية الجامعات على الصعيد العالمي والاقليمي، وتحدد كذلك أبعاد استقلالية الجامعات والتي تشمل الاستقلال الأكاديمي، والتنظيمي أو الإداري، والمالي، والحوكمة الرشيدة. وهذه هي أبعاد مهمة للغاية من أجل تعزيز الحرية الأكاديمية وتمكين الجامعات من تحديد سياسات ومتطلبات القبول بها والاستجابة للتطورات المتسارعة ومراعاة اختلاف ظروف الجامعات وأولوياتها وقدراتها المالية والحاجة إلى المرونة والرشاقة في الإدارة. 

من أجل تحقيق هذه الأهداف والمبررات التي تستند لها فكرة استقلالية الجامعات، لا بد من فهم يؤسس لواقع التعليم العالي وأهميته في الأردن. بلغ عدد اجمالي الطلبة في الجامعات الأردنية حوالي 475 ألف طالب للعام الدراسي 2024/2025، يشكّلون 5% من عدد السكان. يتوزع هؤلاء الطلبة حوالي 1152 برنامج أكاديمي مطروح، يضاف لها 65 برنامج مستحدث مؤخرًا، فضلاً عن أن التزايد المستمر لأعداد الطلبة الملتحقين بالجامعات الحكومية العشرة انعكس على ارتفاع تصنيفاتهم الجامعية على مستوى العالم. 

إلا أن الجامعات الحكومية تواجه جملة من التحديات، أبرزها الأعباء المالية الضخمة. بلغت الذمم المالية المستحقة – أي المديونية- للجامعات الرسمية على الحكومات المتعاقبة بنحو 193.5 مليون دينار حتى نهاية السنة المالية لعام 2023، بحسب وزارة التعليم العالي. تتوزع هذه المديونية ما بين التسهيلات الحكومية (بنسبة 59.9% من مجمل الديون) والقروض من البنوك (12.8%) والقروض من الصناديق (18.1%) وقروض الجهات الخارجية (9.2%)، إلا أنها من ناحية الجامعات، تتوزع على جامعة اليرموك ومؤته في المرتبة الأولى، اذ تشكل كلاهما 63% من اجمالي المديونية. 

تؤثر هذه المديونية في قدرة الجامعات على تطوير بنيتها التحتية وتطوير برامجها الأكاديمية والانفاق على البحث العلمي، كما يجعلها عرضة للتدخل في أعداد القبول والتخصصات والشؤون التنظيمية، وهو ما يتعارض مع مواد قانون التعليم العالي والبحث العلمي وتعديلاته، والتي تنص على استقلالية الجامعات. لكن مجلس التعليم العالي بحد ذاتها وارتباط قرارات مجالس الجامعات به، حيال أعداد المقبولين واستخداث البرامج أو تطويرها أو توقيع الاتفاقيات هو أحد القيود التي تواجه استقلالية الجامعات الحكومية. 

تجري ورقة السياسات مقارنة مميزة بين الجامعات الرسمية في الأردن والجامعات المستقلة خارجه حيال التزام كل منهم بأسس الحوكمة. فبينما يقوم مجلس الأمناء في الجامعات العالمية باختيار رئيس الجامعة من عدد من المرشحين المؤهلين، يعين رئيس الجامعة في الاردن بإرادة ملكية بتنسيب مجلس التعليم العالي. تنطبق هذه الاختلافات على أسس أخرى ذات علاقة بسياسة القبول وسياسات تعيين الأكاديميين وتطوير البرامج الأكاديمية وتحديد الرسوم الدراسية، وهو ما يعني أن مجلس التعليم العالي في الأردن ما زال يحتفظ بصلاحيات واسعة تؤثر على اتخاذ القرار داخل الجامعة. 

تأخذ الورقة الجامعة الأردنية (والتي تبلغ مديونيتها حوالي 5.9 مليون دينار وتتذيل الترتيب في توزع المديونية على الجامعات) كدراسة حالة، خصوصًا وأنها واحدة من أكبر المؤسسات التعليمية في الأردن من حيث أعداد الطلبة والمستويات الأكاديمية وعدد الكليات والبرامج الدراسية، بالاضافة لاحتوائها على مستشفى الجامعة ومراكز البحث العلمي والتنوع الثقافي الكبير للطلبة. ما بين عام 2014 و2025، ارتفع تصنيف الجامعة الأردنية من 701 إلى 368 من أصل 1500 جامعة عالمية، فضلاً عن كونها التاسعة عربيًا والأولى محليًا. ما يهم في تجربة الجامعة الأردنية فيما يتعلق بالاستقلالية هي أن الدعم الحكومي المقدم للجامعة انخفض تدريجيًا حتى توقف تمامًا، وتمكنت الجامعة من تغطية نفقاتها وتحقيق وفر مالي وخفض العجز التراكمي. 

تعتمد معظم إيرادات الجامعة حاليًا على الرسوم الجامعية بنسبة 91% وهو ما يشير لحاجتها لتنويع مصادر دخلها بهدف ضمان الاستدامة المالية وتقليل الأخطار المرتبطة بتقلبات أعداد الطلبة، خصوصًا وأن 70% من الإيرادات مصدرها برنامج البكالوريوس، و30% من الإيرادات أيضًا مصدرها الطلاب الدوليين، وطلبة الموازي في المرتبة الثانية بنسبة 25%. رغم أن الجامعة حققت قدرًا من الاستقلالية المالية، إلا أن انفاقها على البحث العلمي ما زال متدنيًا للغاية إذ تركزت النفقات على الرواتب، كما أن حجم الاعتمادية المالية على برنامج البكالوريوس والتحديد للطلبة الدوليين يجعل الجامعة أمام خيارات نمو محدودة وهي إما زيادة عدد المقبولين أو زيادة الرسوم الدراسية.  

ولذلك، تقترح الورقة مجموعة من السيناريوهات البديلة المتاحة لتعزيز استقلالية الجامعة الأردنية أهمها وأكثرها جدوى هو العودة للعمل وفق قانون الجامعة الأردنية الأصلي لعام 1964 والذي يعني أن تبقى الجامعة الأردنية رسمية لكنها مستقلة عن سلطة مجلس التعليم العالي ولا تخضع لقراراته. في هذا الشأن، يمكن للجامعة الاردنية أن تستلهم من تجارب جامعات إقليمية وعالمية أخرى نجحت في تحسين استقلاليتها، مثل جامعة سنغافورة الوطنية التي طورت برامج أكاديمية مبتكرة، وجامعة الملك سعود في السعودية التي أنشأت مجلس أمناء يتولى مسؤولية الحكومة ووضع سياسات القبول للجامعة، وجامعة هارفارد التي لا يتجاوز نسبة الرسوم من ايراداتها ال21%. 

لربط هذه المقترحات بتوصيات عملية، يمكن للجامعة الأردنية تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص والتوسع في البرامج الأكاديمية المبتكرة واستثمار الأصول الجامعية والتوسع في البحوث التطبيقية والاستشارات واستحداث برامج تمويل بديلة مثل الصناديق الاستثمارية والوقفية وتطوير النشاطات التجارية والخدمية ذات العلاقة. 

يمكنكم قراءة ورقة السياسات كاملة عبر موقع منتدى الاستراتيجيات الأردني من خلال الرابط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى