مدونات الطلبة

“يا خسارة معدلك”: عن دراستي للغة العربيّة

جنان أبو يحيى

لافتة قسم اللغة العربية وآدابها في كلية الآداب في الجامعة الأردنية

بلغت نسبة النجاح في الثانوية العامّة لهذا العام 63.1%، تعبّر هذه النسبة عن حوالي 10 آلاف طالبًا من الفرعيْن العلميّ والأدبيّ حصلوا على معدّل 90% فما فوق. يتوجّه هؤلاء الطلبة لاختيار طموحهم من قائمة طويلة من التخصصات والجامعات، إلّا أنّ هذه الشريحة المتفوّقة -على الأقل نظريًّا- غالبًا ما تستهلّ حياتها الجامعيّة بانتقادات كبيرة في حال قرّروا دراسة التخصّصات الأدبيّة. كنت أنا واحدة من هؤلاء الطلبة، حيث حصلت على معدّل 98.2% واخترتُ دراسة تخصص اللّغة العربيّة وآدابها تلبيةً لشغفي وللتعمّق بالمجال الذي أُحبّ.

يضع المجتمع والأهل عبئًا كبيرًا على كاهل أبنائهم، متوقعين منهم دخول ما يُسمّى بتخصصات العصر التي تواكب التطوّر التكنولوجيّ والانفتاح المعرفيّ، وتوفّر دخلًا ماديًّا جيّدًا في المستقبل. ربما لم تكن أسرتي جزءًا من هذا التوجّه، إلّا أنّ معظم الذين هنؤوني باجتياز الثانوية العامّة بتفوق أخبروني بأنّ المجالات الأدبيّة إمّا “راحت موضتها” أو “ما إلها مستقبل”، رغم أنّ معظم التخصصات -بحسب موقع القبول الموحد- تظهر أمامها علامة “راكد” أو “مشبع”.

يبدأ تشكّل هذه النظرة للتخصصات الأدبية منذ الطفولة، حيث تتمحور أغلب العبارات التشجيعيّة للآباء لأبنائهم حول قولهم بدنا إيّاك دكتور أو مهندس، وتصبح هذه المهن هي الإجابة العفوية للأطفال الذين يواجههم سؤال “شو بدّك تصير لما تكبر؟”. توحي التخصصات العلمية بارتفاع المستوى المعرفي والدراسي والمكانة الاجتماعية حتى في ظل تغير الظروف الاقتصادية ومتطلبات سوق العمل.

أمّا التخصّصات الأدبيّة، فقد ارتبطت بمهنة التعليم، يقولون لي “آخرتك تصيري معلمة”، مع أنّ طلبة كلية الآداب أو اللغات أو التربية أو غيرها يمكنهم العمل في مجالات دراستهم ضمن قطاعات واسعة وغير متوقعة. يحصر البعض المتقدمين لدراسة التخصصات الأدبيّة بأنّهم أشخاص لم يحالفهم الحظّ في الحصول على معدّلات مرتفعة في الثانوية العامّة، خصوصًا أنّ أغلب معدّلات قبول التخصصات الأدبيّة هي غالبًا أقلّ من قبولات التخصصات العلميّة.

من تجربتي الشخصيّة في المدرسة، كان طلبة الفرع الأدبيّ هم أول من يُلقى عليهم اللوم في المخالفات والمشاكل بحجّة أنّ طلبة العلميّ “راسهم بدراستهم”، وسمعت المعلمات مرارًا يقلن لي “يا خسارة معدلك” عندما أخبرهم بطموحي الدراسي. نصحني بعض الزملاء بأخذ دورة تدريبية للغة العربيّة بدلًا من دراسة التخصص بحيث يكون ذلك اوفر للجهد والمال والوقت، إلّا أنّ امرأة من الحي شجعتني على التخصص غير آبهة بالتعليقات لأنّه “احسن للبنات”.

بدأت الدراسة فعليًا بتخصص اللّغة العربيّة وآدابها في الجامعة الأردنيّة، وما زال البعض لا يتوقّف عن إقناعي بدراسة اللّغة الانجليزية بدلًا من العربية، في محاولة للمقارنة والتنبؤ بمستقبل كل منهما، مع أنه يمكنني أخذ دورة باللغة الإنجليزيّة أيضًا. في بلد تزداد فيه نسبة البطالة لـ 22.8%، أعتقد أنّ ما يهم هو ليس اسم تخصصك العلميّ أو الأدبيّ، بل مقدار تميزك فيه وحبك لتعلّم المزيد عنه. 

زر الذهاب إلى الأعلى