مدونات الطلبة

هل يحرّر التعليم الجامعي تفكيرنا؟

بيسان أبو سريس

كنتُ في السنة الأولى من دراستي لتخصص اللغة الإنجليزية وآدابها عندما بدأ السؤال حول جدوى التعليم الجامعي وقدرته على تحرير وعينا وتفكيرنا يراودني، مثلما سابقًا في المدرسة، شغلني التساؤل عن قيام المعلمة بكتابة التاريخ على اللوح. لكن الفرق، هو أنّ التساؤل الجامعي كان وجوديًا أكثر. بعد مرور سنة على ارتيادي الجامعة الأردنية، تشكّلت لدي بعض الإجابات حول الخطط الدراسية وأساليب التدريس والتقييم وتجربة الدراسة وفيما إذا كانت كل هذه العوامل تساهم أم تثبط من فرصة إيجاد طالب جامعي قادر على تبنّي القيم الأساسية والدفاع عن حقوقه العادلة.

يمتلك الطلبة، وأنا واحدة منهم، صورة رومانسية عن الجامعة قبل دخولها، فهي الحرية التي ينطلق لها بعد عام معقد من الدراسة المكثفة والضغط النفسي. لكنّه يكتشف مع بدء دراسة التخصص أنّ الجامعة ربما لا تختلف عن المدرسة بكثير، بخلاف اتساع المساحات وكثرة المباني وعدد الطلبة. صحيح أنّ خيارات الطلبة متعددة في اختيار الجدول الجامعي بدلًا من إلزامه بواحد، لكن خيارات المواد هي ذاتها في كلّ فصل، حيث من المفترض أن تختار موادك حسب الترتيب الذي حددته الجامعة أو تعارف عليه الطلبة، ومن ضمن مجموعة من الدكاترة، الذين لا تظهر أسماؤهم غالبًا على الجدول لكنّك تتفاجأ بهم بعد تسجيل المادة ودفع رسومها.

عندما حاولت دراسة بعض متطلبات الجامعة الإجبارية التي يختارها الطلبة لرفع معدلاتهم مثل “التربية والثقافة الوطنية”، كنت أدرس من منهاج محدد، لربما هو نفس الكتاب الذي درسته أختي قبل سنوات، يشتريه الطلبة من المكتبات المحيطة بالجامعة أو يتبادلونه فيما بينهم بعد انتهاء الفصول. لا تختبر هذه المناهج أي قدرة تحليلة عند الطلبة، بل هي استكمال لمسار التوجيهي حيث قدرتك على البصم وتذكّر المعلومات هي معيار تقييمك. ولربما لنفس السبب، يفضّل بعض الطلبة هذه المواد، نظرًا لأنّ اختبار القدرة على الحفظ أسهل بكثير من اختبار القدرة على التفكير.

لم تكن متطلبات التخصص من مثل “مقدمة إلى الأدب الانجليزي” أفضل حالًا، لكنّها كانت على الأقل تحتكم إلى رؤية المحاضر وشخصيته. يقوم بعضهم بإتاحة مصادر متعددة لفهم المادة ويبذل مجهودًا إبداعيًا من أجل إيصال المحتوى بدون أن يفكر بالنيابة عن الطالب، كما يقترح خيارات تقييمية متعددة مثل العروض التقديمية وواجبات الكتابة وتحليل النصوص بدون أن يتوقع من الطلبة أنّهم متفرغون لمادته فقط. بخلاف ذلك، يدخل بعض المحاضرين القاعة من أجل تسجيل الحضور ثم قراءة “السلايدات” في العروض التقديمية وكأنّنا لا نستطيع القيام بذلك لوحدنا.

تتجلّى الأزمة عندما يصبح الطالب محتكمًا لمصدر وحيد من المعرفة بدون أن يبذل مجهودًا شخصيًا. حدتثني زميلة في تخصص العلوم السياسية عن انبهارها بالسياسة والدبلوماسية الأمريكية وهي التي تأثّرت بمحاضر جامعي يستعرض العلم من وجهة نظره الشخصية. الأمر الذي لا يتناقض مع تحرير الفكر والوعي، بل أيضًا مع معضلة الهوية الثقافية. لا يمكن أن نعزل ذلك عن السياق الأكبر لتفاعل الطالب مع محيطه من الأنشطة الطلابية، لكن عددًا محدودًا منهم يمتلك الرغبة والجرأة للانخراط في العمل الطلابي والاستفادة منه.

ربما كان أحد محاضري قسم اللغة الإنجليزية وآدابها محقًا عندما قال لطلبته: “أنا هون مش لأعلمك تحكي إنجليزي”، لكن هذا الدكتور نفسه لم يعلمهم الإنجليزي ولا حتى أي شيء آخر. قد لا أتوقع من الجامعة أن تبني الطالب بالنيابة عنه لأن المكان بحد ذاته لا يطور الشخصية بقدر ما تفعله التجربة، لكنّها على الأقل عليها أن تتيح له مفاتيح المعرفة وتوسّع مداركه من أجل التفكير بكل الاتجاهات الممكنة.

إنّ الهدف من التعليم هو ليس العلم نفسه، لأنّ العلم تتيحه الكتب والتجارب والإنترنت من حولنا، بل الهدف من التعليم هو تحرير الوعي من أجل امتلاك القدرة على إنتاج علم جديد. قد تقع هذه مسؤولية في مجملها على الجامعة والنظام التعليمي الأردني ككل، لكن الطلبة واختياراتهم وشغفهم المعرفي هو جزء منها كذلك. لاحقًا، قد أكتشف إجابات مختلفة لسؤالي، ربما تتناقض مع ما دوّنته في هذه المقالة الشخصية، لكنّي متأكدة، أنّه مع مرور الوقت الذي لا يبقى ثابتًا كما توثّقه المعلمة أعلى اللوح، قد لا نملك الفرصة لإنقاذ مخرجات التعليم وأثرها على سوق العمل.

زر الذهاب إلى الأعلى