
“ما بتدخلي الجامعة إلّا وبتصيري تروحي وتيجي بالباص السريع”، هكذا كنت أنا والكثيرون نتنبّأ أن تكون صورة مواصلات الجامعة قبل أن أدخلها. واليوم، عام واحد يفصلني عن التخرّج، وما زلت لا أروح وأجيء دومًا باستخدام الباص السريع، مع أنّ الكثير من زملائي وزميلاتي يفعلون، بصفة أنّ الجامعة الأردنية هي أكثر جامعة في الأردن لها محطّات باص سريع تقود إليها، إلّا أنّ عدد الطلبة في الجامعة الذي يزداد عامًا بعد عام يجعل من الصعب أن تغطّي هذه المحطّات أماكن سكن كلّ الطلبة.
تمتدّ الخطوط الرئيسية للباص السريع في عمّان والزرقاء حيث يشكّل الطلبة أبرز مستخدميه، إلّا أنّ تجربة استخدام الباص السريع تعتمد في المقام الأوّل على مدى توفّر محطّاته وتغطيتها للمناطق السكنية المكتظة تحديدًا، الكثيرون ممّن يعيشون في مناطق سكنية مكتظة في عمّان لا يحظون بوجود محطّات للباص السريع بالقرب منهم. شخصيًا، تبعد أقرب محطّة عن بيتي ما لا يقل عن 30 دقيقة سيرًا على الأقدام، رغم أنّ المنطقة الواقعة فيها المحطّة غير مأهولة بالقدر التي تكتظ به المنطقة حيث أقيم.
أفضّل -نظريًا- استخدام الباص السريع لأسباب كثيرة، أبرزها الأمان، حيث تكون حركة الباص في الغالب عبر مسارات مخصّصة له وسرعة محدّدة لا تتيح للسائق تجاوزَ استخدامِ الـ(بريكات) أو حتى الطيران على الـ(مطبّات)، فضلاً عن أنّ التدخين في هذا الباص ممنوع وحتّى تناول الطعام والمشروبات، ممّا ينعكس على نظافة الباص ويجعل التجربة أكثر راحة خصوصًا على من يعانون من مشاكل في التنفّس تجعل أيّ رائحة تسبّب لهم ضيقًا.
لكنّني حتّى أصل لأقرب محطة باص سريع، أحتاج لاستخدام وسيلة نقل أخرى وهو ما يجعلني “أختصر على نفسي” المسافة والوقت والتكلفة وأتّجه لأقرب باص (كوستر)، خصوصًا أنّ الباص السريع يعدّ أبطأ من بقيّة الباصات المتاحة، بالنسبة لي، الطريق إلى الجامعة الذي يحتاج نصف ساعة تقريبًا بالـ(كوستر) قد يحتاج خمسين دقيقة بالباص السريع -مع استخدام وسيلة نقل سابقة- لأنّ الباص السريع يتوقّف كثيرًا عند كلّ محطّة وكلّ إشارة مروريّة تُخصَّص له، ولأنّ هناك وقت للانتظار لوصول باص جديد أو وقت لانتظار باص آخر فارغ خصوصًا في المحطّات التي لا تصلها الباصات سريعًا، وفي أوقات الأزمات.
وفي ظلّ الدوام اليومي، تصبح الحاجة للوصول أسرع واللحاق بالمحاضرات وثلث ساعة إضافية من النوم متطلّبًا ملحًّا بالنسبة لطالب. والحقيقة أنّ التجربة لا تعود مريحة في الكثير من الأوقات تحديدًا الصباح الباكر وأوقات انتهاء دوام أغلب الطلبة التي تجعل الباصات تمتلئ بسرعة وتنتج اكتظاظًا وازدحامًا خانقًا خارج الباص وداخله، ويصير بالنسبة لي الانتظار في مقعد في باص (جت) لا يتحرّك قبل أن يمتلئ، أفضل من قضاء وقت العودة للمنزل أو الذهاب للجامعة (على الواقف).
ولذلك فإنّ المفاضلة بين الباص السريع و(الكوستر) -بالنسبة لي- هي مفاضلة بين الأمان والسرعة، حيث يقطع سائقو (الكوستر) الطرق بسرعة كبيرة ويعرفون الطرق المختصرة حين تصبح الشوارع مزدحمة للغاية، لكن ذلك هو ما يجعل الكثير من الطلبة عرضة لحوادث السير، وهذا لا يعني أنّ معدل حوادث الباص السريع أقل بالضرورة، إلّا أنّه ما زال غير معروف في ظل غياب التقارير الاحصائية المرتبطة برصد هذه الحوادث.
مطلع الشهر الجاري، أكّدت هيئة تنظيم قطاع النقل البري التشغيل الرسمي للمرحلة الأولى من مشروع النقل بين مراكز المحافظات والعاصمة عمّان تموز الجاري، وذلك بعد إطلاقها تجريبيًا. وقالت مديرة الدراسات في هيئة تنظيم قطاع النقل البري تمارا الهريمي، إنّ المرحلة الأولى شملت خطوط (إربد – عمّان) و(جرش – عمّان)، في حين أنّ المرحلة الثانية التي تشمل (السلط – عمّان) و(الكرك – عمّان) سيتم تشغيلها تباعًا في شهر آب المقبل، وفق وزارة النقل.
كان هذا القرار مصدرَ أمل للطلبة الذين يدرسون في جامعات خارج عمّان والزرقاء، وتحديدًا طلبة الجامعات الحكومية الذين لا تقدّم جامعاتهم خيارات نقل داخلية. يُظهِر تطبيق الباص السريع أنّه حتّى الآن، من أصل عشر جامعات حكومية في الأردن، فإنّ الجامعة الأردنية والهاشمية والبلقاء التطبيقية هي فقط الجامعات التي تتوفّر محطات باص سريع تصل لها. وقد لا تغطّي محطات انطلاق الباص السريع بالضرورة أماكن تواجد كلّ الطلبة، ولذلك يتطلع الطلبة لأن تغطي المحطّات الجديدة خطوطًا إضافية داخل عمّان والزرقاء، وأيضًا في بقية المحافظات، تحديدًا التي تحوي عددًا كبيرًا من الطلبة مثل إربد حيث يدرس الطلبة في جامعة اليرموك (التي تبعد 6 دقائق بالسيارة و20 دقيقة سيرًا عن محطة الباص السريع في إربد) وجامعة العلوم والتكنولوجيا.

لا يمكن تجاهل أيضًا التجربة التي يمر بها طلبة جامعة آل البيت والحسين بن طلال والطفيلة التقنية ومؤتة، حيث تبعد هذه الجامعة قرابة 140 كيلومترًا عن العاصمة الأردنية في المتوسط، بالإضافة إلى الظروف الجوية الصعبة التي يمرّ بها الطلبة في الشتاء أو الصيف. لا يمكن الافتراض أنّ جميع طلبة هذه الجامعات يقيمون في محيطها أو يمكنهم استئجار السكنات الجامعية، إذ يحتاج بعضهم للسفر بشكل شبه يومي إلى منازلهم، ويتمتع هؤلاء الطلبة بخيارات محدودة جدًا من وسائل النقل ويرتبطون بأوقات انطلاق وعودة محدّدة لا يمكنهم تجاوزها.
صحيح أنّ طلبة الجامعات الخاصة يذهبون لجامعاتهم باستخدام وسائل داخلية تحدّدها الجامعة ويدفعون لأجلها جزءًا من الرسوم في بعض الجامعات، لكن ذلك لا ينفي حقّهم في تغطية جامعاتهم ضمن خطوط النقل العام وشبكة الباص السريع، خصوصًا أنّ بعض الجامعات الخاصة لا توفر لطلبتها عدد كافيًا من الباصات أو الرحلات. على سبيل المثال، يستفيد طلبة جامعة جدارا وجامعة إربد الوطنية والجامعة الإسلامية وجامعة العلوم التطبيقية من بعض رحلات الباص السريع التي تصل جامعاتهم أو تمر بها، مثل الوصول لجامعة الزيتونة عبر رحلة الباص السريع التي تنطلق من مستشفى الأمير حمزة وتصل إلى مادبا.

قد تكون تجربة الباص السريع غير مرضية لجميع الطلبة بعد، إلّا أنّ محاولة تحسينه وتعميمه قد تجعل من الممكن للطلبة أن يأملوا بواقع يكفل لهم النقل الآمن حيث ينطلقون للتعلّم دون أن يخافوا على حياتهم. نتمازح أحيانًا بقولنا إنّ رحلة الوصول للجامعة ومغادرتها تعلّمنا أكثر من الجامعة، لكنّني أدرك واقعية هذه العبارة في كلّ مرة أركب فيها المواصلات، حيث أفكّر بحقّ الطلبة في أن يحظوا بتجربة نقل آمنة تتوفّر فيها كلّ مقوّمات الراحة والأمان وطرائق وأسعار الدفع الملائمة.