
تنشر المدونة الطلابية حصرًا رسالة كتبها الأسير الأردني الفلسطيني منير مرعي والمعتقل في سجون الاحتلال منذ عام 2003، أيّ قبل عشرين عامًا من اليوم، مخاطبًا الطلبة الجامعيين ومتحدّثًا عن دورهم. كتب مرعي هذه الرسالة بتاريخ 13 أيلول الماضي، ننشرها كما هي بعد أن وصلت لنا نسخة مكتوبة منها، وذلك بفضل تعاون محامي الأسير وشقيقته سائدة مرعي وطالبة الجامعة الهاشمية رغد أبو عودة.
يا شباب الأمة
في الوقت التي تعاني فيه كثير من دول العالم من ظاهرة الكهولة والشيخوخة، حتّى وصل الأمر ببعضها إلى الانكماش العددي وأصبح اقتصادها يعاني نتيجة عدم وجود الأيدي العاملة، وبات الركود الاجتماعي أحد سمات المجتمع نتيجة عدم وجود القوة الدافعة التي تجعل منه مجتمعا حيًّا ذي حركة إيجابية، فإنّ مجتمعاتنا تمتاز أنّها مجتمعات فتية يغلب عليها عنصر الشباب، الذي يشكّل العمود الفقري فيها. وإذا ما قلنا إنّ الكهل وكبير السن من البشر يرمز إلى الضعف واقتراب الأجل وأُفول النجم، والشباب يرمز إلى المستقبل والقوة والطاقة الطافحة الفوارة، فإنّ ذلك يعني أنّ أمتنا التي تمتاز بالشباب مقابل الأمم الأخرى يعاني أكثرها من الشيخوخة ينتظرها مستقبل.
ما هو شكل المستقبل الذي نريد؟ إذا كانت معركة الديموغرافيا قد حسمت لصالحنا بالتكاثر الطبيعي، إلّا أنّ ذلك لا يعني أنّ معركة المستقبل كلّها قد حسمت هي أيضًا لصالحنا، فمن أجل حسم هذه المعركة لصالحنا يجب الانتباه لما يلي:
أوّلًا: بناء الوعي: إنّ الصراع الذي يدور حول تشكيل شباب الأمة هو حجر الزاوية في معركة بناء المستقبل، فمن يملك عقول الشباب يملك المستقبل، ومن هنا فإنّ أكثر الدعايات الفلسفية التي تدعو إلى تبنّي حضارية معينة، تتوجّه بدايةً إلى الشباب، لمحاولة صياغة عقولهم وبناء وعيهم بما يضمن تقبّلهم بعد ذلك لمختلف منتجات تلك الحضارة، وهذا ما يضمن لها الاستمرار حتّى بعد وصول تلك الأفكار والمجتمعات مرحلة الأفول، كذلك تسعى الأنظمة القمعية الشمولية إلى إنتاج وعي زائف يرسم فكرة أنّه ليس بالإمكان تحقيق أفضل ممّا كان، وأنّ أيّ محاولة تغيير هي بالضرورة تغيير إلى الأسوأ.. إذن لا بدّ من قبول الواقع.
القبول بالواقع السيء خوفًا من المستقبل الأسوأ، بهذه الطريقة تحرق أعمار الأجيال عبر مرحلة من الركود والاستكانة وخفوت الدافع المجتمعي، ممّا يكرّس أخلاق البلادة واللامبالاة، وهذا كلّه يصبّ في صالح مشروع البناء الوهمي القائم على الوعي الزائف، ممّا يعزّز حالة التبعية التي تعانيها الأمّة منذ قرون.
بالمقابل، فإنّ هناك مشاريع البناء الحضاري الحقيقية التي تستند إلى عقيدة الأمة وتاريخها بنجاحاته وإخفاقاته، وتستند إلى مقولات تأسيسية ذات عمق في تاريخ أمتنا من أمثال قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا”، وقول ربعي بن عامر: “نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمتى ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله”، عبر الشعار الخالد والقول المأثور “العدل أساس الملك”، وأبلغ من ذلك، التوجيه النبوي القائم على البذل والعطاء والإيجابية حتّى الرمق الأخير وذلك حين قال: “إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها”، هذه الأقوال وغيرها من المقولات التأسيسية تصلح أن تكونَ حجر الأساس في بناء حضاري أصيل ينبع من إيمان قلوبنا، ويلامس أوتارًا حساسة في وجداننا.
ثانيا: توسيع الآفاق: هنا ننطلق من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الحكمة ضالة المؤمن” أنّى وجدها فهو أحقّ الناس بها تحت أمة ترفض الانغلاق وتحارب التقوقع، وتسعى لمد الجسور مع الآخر، وترفض التعميم، ويجب عليها تحسين الفرز والتصنيف فلا الغرب كلّه شر، ولا الشرق كلّه خير، ولا كلّ مع مدّع للصلاح صالح، ولا كلّ من وقع في خطأ أو زلّة مجرم، ولقد جرت مياه كثيرة من تحت الجسر في فترة النوم والترهل التي أصابت الأمة، ولا بدّ لشباب الأمة الواعي من التشمير عن السواعد، والجدّ لقراءة تجارب وأفكار وإنتاجات الآخر، إفضاءً لعملية تمحيص دقيقة تستخلص منها السمين وترفض الغث، وتسعى لوضع بصمتها الخاصة المتفردة دون الوقوع في أسر الماضي؛ حتّى لا يسلب القدرة على التجديد، ودون الاستقلاب الحضاري؛ حتّى لا يحرمنا هُويتنا الدينية والفكرية والحضارية فنصبح كالببغاء نُصدر أصواتًا على هيئة كلمات لا نفقه معناها، ولا نعرف مآلاتها.
يا أيها الشباب، واقع أمتكم صعب لكن غير ميؤوس منه، وهو بحاجة لعمل مكثّف شاق لكنّه ضمن قدراتكم وإمكاناتكم، ويتطلّب مهارات وعزائم كبيرة لكنّكم تملكونها، قدركم أيها الشباب أن تأتوا في زمن ضعيف تملؤه الأزمات لكنّه مملوء بالفرص أيضًا. فإن كان الآباء والأجداد قد أورثوكم معركة صعبة شاقة، وذلك لم يكن ذنبهم، فاجتهدوا أن تورثوا أبناءكم مستقبلًا مزدهرًا مشرقًا وهذا واجبكم، وليكن شعاركم “ما عجز جسد عن همة”. ختامًا، سدّد الله خطى الجميع لما يحبّه ويرضاه “وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ”.
عن الأسير منير مرعي
ولد الأسير الأردني الفلسطيني منير مرعي في الزرقاء وفيها أتم دراسة الثانوية العامة. عاد مرعي إلى نابلس حيث أصول عائلته للالتحاق بتخصص النظم المعلوماتية في جامعة البوليتكنك في الخليل. وهناك، بدأ نشاطه في صفوف المقاومة والكتلة الإسلامية حتّى أضحى مسؤولًا عنها في السنة الثالثة من دراسته. التحق الأسير مرعي بصفوف كتائب القسام بعد اندلاع انتفاضة الأقصى وشكّل مجموعة الشهيد عباس العويوي القسامية برفقة طارق دوفش و فادي دويك.
نفّذت هذه الخلية اقتحامًا لمستوطنة قرب الخليل وقتلوا ما يزيد عن خمسة مستوطنين وجرح ثلاثة آخرين. ظلّ منير حرًا لمدة عام بعد تنفيذ العملية وفشل الاحتلال في الإمساك به بعد خطة محكمة من التخفي والمطاردة، حتّى ابريل 2004 حيث داهمت قوة صهيونية خاصة منزلًا أوى إليه. خضع مرعي لـ 110 يومًا من التحقيق والتعذيب، ووُجّهت له 70 تهمة مرتبطة بالمقاومة والجهاد، وحكم بالمؤبد مكررًا خمس مرّات. حُرم مرعي من الزيارات العائلية ومن الحصول على شهادة بكالوريوس مستحقة، وخاض إضرابًا مفتوحًا عن الطعام لمدة مئة يوم عام 2013 للمطالبة بتدخل الحكومة الأردنية للإفراج عنه.