
أحالت عمادة شؤون الطلبة في الجامعة الأردنية في الثالث عشر من أكتوبر الجاري عددًا من الطلبة إلى لجان تحقيقٍ على خلفية مشاركتهم في الوقفة التضامنية التي دعا لها الملتقى الطلابي في ذكرى السابع من أكتوبر، حسب ما ذكرته الكتل الطلابية (أهل الهمة والتجديد والعودة ولجنة القدس) في بيان لها. أثارت هذه الاستدعاءات رفض الطلبة إذ لا تتجاوز هذه الوقفات كونها أقل القليل من الواجب الذي يتحمله الطلبة تجاه قضاياهم الوطنية.
وبعد اجتماعٍ للكتل مع رئيس الجامعة الأردنية الدكتور نذير عبيدات، ألغيت هذه اللجان، ونشرت صفحة العمادة على الفيسبوك منشورًا تخاطب فيه الطلبة قائلة “إنّ ما يحدث اليوم لأهلنا في غزة هو حرب ضد الإنسانية واختراق صارخ للقوانين الدولية. وإنّنا نعبّر عن تضامننا ووقوفنا مع أهلنا في فلسطين وندعو الله العلي القدير أن يرفع عنهم الظلم وينصرهم على أعدائهم”.
هذه ليست المرّة الأولى التي يُستدعَى بها الطلبة بهذا الشكل، فبعد معظم الوقفات التي نظّمتها الكتل في الجامعات الأردنية نصرةً لغزة ودعمًا لشعبها، تستدعي العمادة عشرات الطلبة للجان تحقيقٍ مرتبطة بالوقفة أو الهتاف أو الكلمة المُلقاة، ويكاد هذا التصرّف يصبح روتينًا وجزءًا متوقّعًا من الوقفات، ورغم أنّ العمادات تلغي هذه اللجان بعد أيام أو ساعات قليلة من احتجاج الكتل الطلابية عليها، إلّا أنّ أثرها السلبي لا يتوقف عند ذلك.
تتذرع الجهات المعنية بالحاجة للموافقات المسبقة التي تغرق الطلبة في الإجراءات البيروقراطية، لكن الوقفات في حدّ ذاتها هي ردّة فعل عفوية مباشرة تشتبك مع الأحداث أكثر من كونها نشاط يحتاج وصفًا وملفات مرفقة وموافقة قد تمتد لأسبوعين. “لم تعتد القوى خلال السنوات الماضية أن تأخذ موافقات على المسيرات والوقفات داخل الجامعة، وليس من المنطقي تقديم طلب تنظيم مسيرة او وقفة، وإنّما جرت العادة والعرف أن يتمّ الإعلان عن الوقفات والمسيرات قبل 24 ساعة بحد أدنى ومن خلال منصات القوى الطلابية على وسائل التواصل، فالحركة الطلابية هي الحريصة دائمًا على المصلحة العامة لجامعتنا وبلدنا”، بحسب البيان الأخير.
الحصول على الموافقة هي أزمة أزلية بين الطلبة والجامعات، إلّا أنّ القاعدة هي ما يرسيه الطلبة وينتزعونه من حقوقهم، بما فيها “إقامة الوقفات دون أخذ موافقة مسبقة”، لأنّ السقف الذي يشترط على الطلبة استصدار موافقات على أبسط التحركات هو محاولة لهندسة ومأسسة حراكهم وتفريغ الاحتجاج من معناه، مهما حاولت الجامعة أن تقنعَ الطلبة بحرصها على حريتهم في التعبير وبموقفهم الرسمي من القضية الفلسطينية.
تقع كثيرٌ من القوانين والأنظمة والتعليمات الناظمة للحركة الطلابية، بما فيها نظام تنظيم العمل الحزبي، في هذه الفجوة التي تتعامل مع تحركات الطلبة بوصفها أنشطة ترفيهية أو أكاديمية أو خدماتية ولا تمنح الطلبة الوكالة أو الثقة لتقرير طبيعة تحركهم وانتشاره ومحتواه. وبذلك، لا تكون هذه القوانين إلّا مجرد عبءٍ إضافي على الطلبة وقيدٍ على التحركات الاحتجاجية والسياسية والثقافية في واقع يستيقظون فيه على مئات الشهداء من أبناء جلدتهم يُقتلون.
عندما تستدعي الجامعة الطلبة للجان التحقيق على خلفية وقفة تضامنية، تسيء الجامعة لموقفها الوطني من غزة وتنتهك حقوق الطلبة في قول الحق، وعندما تلغي الجامعة هذه اللجان بعد الإعلان عنها ورفض الطلبة لها، فهي تخلق جوًّا عامًّا من التعامل مع الرقابة والقمع على أنّه أمر عادي، وتحول دون تشجيع الطلبة على الانخراط في العمل الطلابي وأنشطته، عدا عن أنّ الطلبة يصبحون مشغولين بهذه اللجان بدلًا من العمل على تكثيف هذه الوقفات وتحسينها في ظروف تعاني بها الكتل من ضعف الحشد والبنى التنظيمية والأدوات السياسية.
في هذه القضية، غاب اتحاد طلبة الجامعة الأردنية عن الانتصار لحقوق الطلبة ولو شكليًا، وظلّت صفحته الرسمية تتزين بإعلانات السحب والإضافة. ربّما لا يُعدّ الاتحاد مُلزمًا بالمشاركة بصفته جسمًا في تحركات الملتقى الطلابي لدعم المقاومة إذ باستطاعته الدعوة لوقفات منفصلة، إلّا أنّه ملزم بالضرورة بالدفاع عن حقوق جميع الطلبة أيًّا كانت توجّهاتهم عندما يتعرّضون لاعتداء ما، ولذلك، فإنّ أفضل ما قامت به الكتل في تأكيد موقفها وحقوقها هو الإعلان عن وقفة جديدة “بدون موافقة” يقول فيها الطلبة كلمتهم في اليوم الذي تلا اجتماعهم مع الرئيس.