مدونات الطلبة

ديوان فاطمة: بين الثقافة وواجبات المرحلة

في منتصف شهر تشرين الثاني من عام 2023، أعلن “ديوان فاطمة” عن بدء أنشطته الموجّهة للطالبات بشكل خاص وللمجتمع الطلابي بشكل عام، وديوان فاطمة كما يعرّف نفسه: نادٍ ثقافي طلابي في الجامعة الأردنية، بدأ بصفته فكرة مشتركة بين مجموعة من طالبات كلية الهندسة – الجامعة الأردنية، بهدف إيجاد بيئة نقاشية مثرية في مجالات الفكر والأدب والعلوم الإنسانية إيمانًا بضرورة حضور هذا النوع من المعرفة عند طلبة الكليات، حيث تكون حياة طلبة الكليات العلمية في كثير من الأحيان منحصرة في التفكير بمجالات تخصصاتهم ومعارفها، إلّا أنّ هذا النادي جاء لخلق جسر معرفي يربط بين التخصصات العلمية والإنسانية، والأهم من ذلك أنّه يضع هذه المعارف في سياق الثقافة والهوية العربية الإسلامية وموروثاتها الأدبية والتاريخية.

بدأ الديوان نشاطه على شكل لقاءات بمواضيع مختلفة مرفقة بمادة مقروءة تسبق كل لقاء، تجمع اللقاءات طالبات من مختلف التخصصات للحديث عمّا يجمعهن من قضايا وكيف من المفترض أن يتفاعلن تفاعلًا واعيًا معها عبر طرح الأسئلة وتبادل الآراء ومشاركة التجارب والخروج بخلاصات عملية مؤثرة، ولذلك، لم يكن اسم فاطمة الفهرية مجرد استلهام وارتباط بالتاريخ العربي فحسب، بل أيضًا محاولة للتذكير بدور النساء ومسؤوليتهن في رفع المستوى العلمي والثقافي في المجتمع المسلم في وقت تختزل فيه النساء في مفاهيم ومعارك مستوردة.

جمعت فاطمة الفهرية بين الشخصية العالمة في ذاتها والنافعة لمحيطها وهي التي وصفها مؤسس علم الاجتماع ابن خلدون “فكأنما نبهت عزائم الملوك بعدها” معقّبًا أنّ الله إذا أراد لأمة رفعةً أيقظ همم أبنائها من مختلف الشرائح ليقوموا بما يحتاجه واقعهم من مسؤوليات وإصلاح، وبذلك كانت فاطمة الفهرية نموذجًا لكثير من الطالبات اللواتي انضممن إلى أنشطة النادي. لكن لم تلبث فكرة الديوان تظهر معالمها حتى جاء السابع من أكتوبر الماضي والذي كان منعطفًا مفصليًا أكسب “ديوان فاطمة” مسارًا أكثر وضوحاً فيما ينبغي أن يركّز عليه الطرح ومالذي يستوجب توجيه الفكر نحوه من تحديات وعوائق وأحداث.  

فرضت الحرب الإسرائيلية على غزة أسئلة عديدة على الطلبة والجامعات والحراك الطلابي الناشط ككل، وزادت من حجم المسؤولية المفروضة على المؤسسات التعليمية ودورها في بناء المجتمعات وتحرير الفكر والتحرر من التبعية العمياء. في ضوء ذلك، صاغ الديوان أهدافه لتتمثّل في تنمية القدرة على النقد والنقاش البناء المنطلق من مرجعية إيمانية رصينة، وتعزيز مهارة البحث والاطلاع المستمر وتوسيع وجهات النظر، بما يصب في معالجة واقعنا وفهمه.

أدرك الطلبة الحاجة إلى عدم كون الطوفان مجرد حدث عابر يتم التفاعل معه بعاطفة لحظية ثم يمضي بحقائقه الواضحة دون أن يأخذ مكانًا عمليًا في حياتهم الفردية والجمعية، ولذلك أخذت لقاءات ديوان فاطمة تناقش مفاهيم وقضايا جوهرية مرتبطة أكثر بالبنى المجتمعية التي تخلق وتخلّد سير الشهداء، وتبحث في الحالة الطلابية في فترة انتخابات اتحاد الطلبة محاولين تحديد المطلوب منها هوية وعملًا وخطابًا في ظل الأحداث المحلية والإقليمية.

اليوم، تتنوّع لقاءات الديوان بين نقاشات خاصة بالطالبات واستضافات لشخصيات يكون الحضور فيها عامًا لجميع الطلبة، وقد كان لافتًا اهتمام ومشاركة عدد من الطالبات من مختلف أنحاء الوطن العربي في اللقاءات التي عُقدت عن بُعد، فكان الهمّ المشترك والغايات الموحدة منطوقة بلهجات عدّة مشهدًا ملهمًا لديوان فاطمة ليكمل في رسالته ويركّز على ما يجمع من قضايا و مسؤوليات مرحلية.

يوضّح الديوان التزامه بقيمه الإسلامية ومرجعيته الإيمانية ويلتقي مع معظم الكتل الطلابية في القضايا الوطنية والحقوقية، إلّا أنّه نادٍ مستقل عن الارتباط بها ويركّز أهدافه على المعرفة الثقافية وما يمكن أن تنتجه من فعل مؤثر. لا ينشد ديوان فاطمة الثقافة المترفة التي تقرأ وتناقش لأجل الترفيه والتشدق بالتحليل والمصطلحات، بل ينظر لها بصفتها مسؤولية وواجب مرحلي لاستعادة التفكير داخل الأُطر والمرجعية العربية وفي خدمة القضايا الوطنية، ولتعميم النقد ورفع الوعي باعتبار الطلبة مكوّنًا مجتمعيًا يُنظر إليه على أنّه أمل التغيير المنشود.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى