مدونات الطلبة

عن أهمية المشاركة في المعارض الوطنيّة الطلابية 

اسماعيل فودة

ركن التراث في معرض “اجيال العودة” السابع من تنظيم كتلة العهد في الجامعات الأردنية

لم أكن قد تجاوزتُ الثامنة عشر من عمري عندما وقفتُ لأول مرة في ركن المدن الفلسطينية أحدّثُ الطلبة عن بيارات البرتقال في يافا وكأنّي كنتُ فيها يومًا، وإلى جانبي زميلي متحدّثًا عن غزة وبحرها التي تستعصي على الاحتلال الإسرائيلي وعدوانه المستمر. إنّ التنظيم والمشاركة في المعارض الوطنيّة الطلابيّة الساعية لرفع مستوى الوعي بالقضية الفلسطينية هي تجربة استثنائية بكلّ تفاصيلها بدءًا من تجهيز المحتوى وتعليق الصور وصولًا للحوار مع الطلبة وتبادل المعرفة التي أؤمن أنّها -إلى جانب فوهة البندقية- طريقًا للتحرير وسبيلًا للاشتباك دفاعًا عن فلسطين والأمة العربية أجمع.

يتكوّن المعرض الوطني من 12-15 ركنًا أو زاوية يُخصّص لكلّ منها طاولة تحمل المجسمات الصغيرة وجزء من الجدار أو اللوح خلفها، والذي نغطيه بالخيش والكوفيات. يحمل هذا اللوح الصور بحسب موضوع الأركان والتي تتنوع ما بين المحطات التاريخية في القضية الفلسطينية والقضايا المركزية فيها من الأسرى والشهداء واللاجئين والأقصى ومقاطعة الاحتلال الإسرائيلي. لا يقتصر المعرض على الأركان المعرفية فقط، فقد يشمل عروضًا للمسرحيات أو إلقاء الشعر أو الأفلام أو الدبكات أو الجولات الافتراضية في المدن الفلسطينية، وكلّ ما من شأنه جعل طريقة التعلّم والشرح أكثر جاذبية وسلاسة. 

تتمثّل أهمية إقامة المعارض الوطنية داخل الحرم الجامعي في إيصال رسالة عدالة القضية الفلسطينية التي يدعمها كلّ شخص ذي بوصلة أخلاقية سليمة، والفكر المناهض للصهيونية التي لا تهدد فلسطين فحسب، بل الأردن وغيرها من الدول العربية. كما تشكل مساحة من التعبير عن الرأي والمشاركة السياسية الفاعلة التي تتجاوز الشعارات أمام الكاميرات واليافطات على جنبات الطرق، حيث يجتمع الطلبة ويتناقشون في أهم التطورات السياسية وانعكاساتها، ما بين التطبيع العربي مع الاحتلال والمقاومة التي تتجلى في العمليات الفدائية والهبّات الشعبية.

تقدّم المعارض سردية وحدوية تلبي طموح الشباب العربي وتوحّد نضاله ضد عدوّه الأوحد، الذي سئم الترهات السياسية الفصائلية وإلقاء اللوم والاتهامات والعنصرية التي تخدم الأنظمة الديكتاتورية، وتندرج هذه المعارض ضمن المساحة الطلابية الحرة وحق الطلبة في عقد الأنشطة، بخلاف المساحات المشبوهة التي تمولها السفارات الأجنبية وأجنداتها الامبريالية. يرفع هذا النوع من الفعالية سقف العمل الطلابي من الفعاليات الخدماتية والترفيهية إلى الأنشطة التي تعمّق تفاعل الطالب مع الشارع السياسي من حوله وقدرته على قيادته والتأثير فيه، بدلًا من أن يكون منسلخًا عن ما يحصل حوله.

إنّ الاستهانة بدور المعارض الوطنية في توعية الأجيال هو استسلام للعجز وتبرير للتخاذل في مواجهة الاحتلال الذي لا يتردّد عن محاربة الحركة الطلابية الفلسطينية وأنشطتها لأنّه يدرك أهميتها في خلق شباب مثقف ومشتبك. تضيّق الجامعات الأردنية على مساحة عقد هذه المعارض رغم انسجامها مع موقف الشعب الأردني الوطني وخطاب التمكين السياسي للشباب، إلّا أنّها تظل منارة ثقافية تذكّر الطلبة بحقهم في فلسطين وحربهم الأزلية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وتحفّزهم على التفكير بدورهم النضالي في مقاطعة الاحتلال ورفض التطبيع والمشاركة في الاحتجاجات وتسخير علمهم وعملهم دفاعًا عن فلسطين. 

شاركتُ على مدار عامين في معرض “أنا راجع” و”أجيال العودة”، وهي معارض تنظمها كتلة العهد للطلبة داخل الجامعات الأردنية أو للفتيان في المخيمات والتجمعات الفلسطينية. وفي كلتا التجربتيْن، لمستُ كيف تطوّرت ثقتي بنفسي ومهاراتي في الحديث ومسؤوليتي في زيادة معارفي وآمنت بدوري في مواجهة رئيسة وزراء الاحتلال الإسرائيلي السابقة جولدا مائير التي قالت “سيموت الكبار وينسى الصغار”. دائمًا ما غادرت هذه المعارض، وأنا أحمل الكثير من الأسئلة التي أبحث لها عن إجابات حول النضال الفلسطيني الذي يتقاطع مع كلّ العلوم والمعارف التي ندرسها كتخصصات جامعية. 

“بدك تحررها؟”، هكذا يقول بعض الطلبة الذين استهانوا بدورهم واستسلموا للنَفَس الانهزامي الذي يخدم الاحتلال والأنظمة المتواطئة معه، إذ يشككون في جدوى المعارض ويتنكرون لدور الحركة الطلابية التي لم تقدم للقضية الفعاليات الثقافية فقط بل الأرواح والدماء أيضًا. لا أدّعي أنّ المعارض ستحرر فلسطين، ولا أتوقّع ذلك أيضًا، لكنّني في واقع يُضحّي فيه الشباب من أجل تحرير وطنهم المحتل، يظل أقل ما نقوم به أن لا ننسى هؤلاء الشهداء وأن ندافع عنهم بالكلمة الحرة.  

زر الذهاب إلى الأعلى