
أعلنت وزارة التربية والتعليم الشهر الماضي، على لسان الدكتور محمد شحادة، مدير دائرة الامتحانات، عن جدول امتحانات الثانوية العامة لطلبة جيل 2007، حيث تقرر أن تبدأ في التاسع عشر من شهر حزيران، وتستمر حتى العاشر من شهر تموز. وسيشهد هذا العام آخر دفعة تخضع لنظام التوجيهي الحالي، إذ ستبدأ الوزارة بتطبيق نظام جديد لامتحان الثانوية العامة على الطلبة من مواليد 2008 فما بعد.
جاء النظام المحدث للتوجيهي بتغييرات كبيرة مقارنةً بالأنظمة السابقة، مما تسبب بحالة من عدم الفهم لدى الطلبة وأولياء الأمور. فقد شملت التغييرات تعديلاً على المسارات التي يتم توجيه الطلبة إليها، وتقسيم المسار الأكاديمي إلى ستة حقول مختلفة، واعتماد آلية جديدة لاحتساب المعدل، إلى جانب حوسبة الامتحانات.
كيف نفهم التوجيهي الجديد؟
يبدأ الطالب باختيار مساره الأكاديمي أو المهني (BTEC) في نهاية الصف التاسع، بدلاً من الصف العاشر كما كان معمولاً به سابقًا. بعد ذلك، يخضع الطالب في المسار الأكاديمي لنظام توجيهي يمتد على عامين دراسيين، بدلاً من عام واحد. في السنة الدراسية الأولى (الصف الحادي عشر)، يتقدم الطالب لامتحانات وزارية في أربعة مباحث تُعد إجبارية لجميع الطلبة في مختلف الحقول، وهي: اللغة العربية، اللغة الإنجليزية، التربية الإسلامية، وتاريخ الأردن. ويحتسب معدل هذه السنة بنسبة 30% من المعدل الإجمالي.
في نهاية السنة الأولى، يختار الطالب الحقل الذي يرغب في دراسته من خلال اختيار أربعة مباحث سيدرسها في السنة الثانية، وبناءً عليها يُدرج ضمن أحد الحقول التالية: الحقل الصحي، الحقل الهندسي، حقل العلوم البحتة والتكنولوجيا، حقل اللغات والعلوم الاجتماعية، حقل القانون والعلوم الشرعية، وحقل الأعمال. وتُحتسب نتائج هذه السنة بنسبة 70% من المعدل الإجمالي. كما يُشترط على الطالب النجاح في عدد من المباحث الأخرى خلال الصف الحادي عشر، وفي حال عدم اجتيازها، يُتاح له التقدم لها مجددًا في الصف الثاني عشر.
بعد موجة من التسريبات والشائعات، كشف صالح العمري، مدير إدارة المناهج والكتب المدرسية في وزارة التربية والتعليم، عن تفاصيل المواد الدراسية في النظام الجديد. فيما يتعلق بالحقل الصحي، يتقدم الطالب – بعد النجاح مدرسيًا في المباحث التي درسها – لامتحان وزاري في أربعة مباحث، هي: الكيمياء، العلوم الحياتية، اللغة الإنجليزية (متقدم)، بالإضافة إلى مبحث واحد من اختيار الطالب. أما في الحقل الهندسي، فيتقدم الطالب لامتحان وزاري في أربعة مباحث، هي: الرياضيات، الفيزياء، بالإضافة إلى مبحثين من اختياره.
وفي حقل العلوم والتكنولوجيا، يتقدم الطالب لامتحان وزاري في أربعة مباحث، هي: الرياضيات، وثلاثة مباحث من اختياره، على أن يكون من ضمنها مبحثان علميان على الأقل. وفي حقل اللغات والعلوم الاجتماعية، يتقدم الطالب لامتحان وزاري في أربعة مباحث، هي: اللغة العربية (تخصص)، اللغة الإنجليزية (متقدم)، بالإضافة إلى مبحثين من اختياره.
أما في حقل القانون والعلوم الشرعية، فيتقدم الطالب لامتحان وزاري في أربعة مباحث، هي: اللغة العربية (تخصص)، التربية الإسلامية (تخصص)، بالإضافة إلى مبحثين من اختياره. وفي حقل الأعمال، يتقدم الطالب لامتحان وزاري في أربعة مباحث، هي: رياضيات الأعمال، الثقافة المالية، اللغة الإنجليزية (متقدم)، بالإضافة إلى مبحث واحد من اختياره.
أوضحت الوزارة في أكثر من مناسبة أن النظام الجديد يهدف إلى التخفيف من العبء والضغط النفسي على الطلبة، خاصةً بما يوفره من مرونة أكبر. كما يُفترض أن يسهم في تحسين جودة التعليم في المسار المهني، ويُعدّ جيلًا قادرًا على الاندماج المباشر في سوق العمل أو متابعة دراسته في الكليات التقنية. وقد لاقى تقسيم الامتحانات على عامين استحسان بعض الأهالي والطلبة، لما يحققه من تخفيف للأعباء النفسية والمادية.
ما هي الانتقادات؟
من ناحية أخرى، واجه النظام الجديد انتقادات عدة من الطلبة وذويهم، بسبب غياب الشروحات الكافية حول تفاصيله عبر القنوات الإعلامية الرسمية للوزارة، واقتصار المعلومات على فيديوهات صادرة عن منصات تعليمية خاصة ومعلميها. كما عانى الطلبة من عدم وضوح في مواعيد وآلية تقديم الامتحانات.
وشكّلت الخيارات المتعددة المتاحة للطالب، وما يترتب عليها من تقييد في التخصصات الجامعية الممكن دراستها، مصدر ضغط إضافي، إذ وجد الطالب نفسه مضطرًا لاتخاذ قرار مصيري في سن مبكرة نسبيًا. فاختيار التشعيب بين المسار الأكاديمي أو المهني في الصف التاسع يتطلب وعيًا ناضجًا من الطالب حول ميوله وتوجهاته المستقبلية.
فعلى سبيل المثال، الطالب الذي يختار مادتي الرياضيات والفيزياء فقط، دون دراسة مادة علمية ثالثة في سنته الثانية، سيكون مقيدًا بتخصصات الهندسة فقط عند التقديم للجامعات. ورغم أن النظام يتيح في بعض الحالات إمكانية الدمج بين أكثر من حقل — مثل الجمع بين الحقل الهندسي وحقل العلوم والتكنولوجيا عبر إضافة مادة علمية ثالثة — فإن هذا الخيار غير متاح بين جميع الحقول، إذ لا يمكن الدمج بين الحقل الطبي والحقل الهندسي، على سبيل المثال.
دعت الحملة الوطنية من أجل حقوق الطلبة – “ذبحتونا” وزارة التربية والتعليم إلى تجميد العمل بالنظام الجديد، واعتبرته “نظام قبول جامعي أكثر منه نظام توجيهي”. وتوقعت الحملة أن يتم التراجع عن هذا النظام خلال عامين أو ثلاثة لعدم قابليته للتطبيق عمليًا.
كما أشارت إلى أن تقسيم المسار الأكاديمي إلى عدة حقول من شأنه أن يحرم الطلبة من فرص الالتحاق بالعديد من الجامعات العربية والدولية، التي تشترط دراسة مواد لا تُلزِم بها الخطة الجديدة. فعلى سبيل المثال، لا يُطلب من طلبة الحقل الطبي دراسة مادتي الفيزياء والرياضيات، في حين أن العديد من الجامعات تشترط اجتياز هاتين المادتين للقبول في تخصصات الطب والصيدلة وغيرها.
أما من ناحية المناهج، رأت الحملة أن النظام الجديد سيحدث فوضى حقيقية، إذ تم تقليص فترة تدريس مواد اللغة العربية، والتربية الإسلامية، واللغة الإنجليزية، وتاريخ الأردن إلى سنة دراسية واحدة بدلاً من سنتين. هذا أدى إلى إعادة النظر في هذه المناهج من حيث الكم، وإجراء تعديلات جوهرية على بعضها، خصوصًا اللغة الإنجليزية، من حيث المحتوى والأسلوب. واعتبرت الحملة أن هذه التغييرات قد تؤدي إلى إشكاليات كبيرة، خاصةً أنها لم تراعِ تفاوت مستويات الطلبة، ولم يُجرَ تدريب كافٍ للمعلمين على المناهج الجديدة.
“زمان كنا نقول الأول ثانوي سياحة وسفر، هسا صار في أهمية لهاي المرحلة”، يقول الأستاذ حسام عواد في مقابلة تلفزيونية تعليقًا على النظام الجديد، في إشارة إلى أن الطالب بات مطالبًا بالتفكير في خياراته الجامعية مبكرًا. ويشير عواد إلى عدد من الملاحظات على النظام، من أبرزها: ضعف اهتمام الطلبة بالمواد ذات الامتحان المدرسي (مثل مادة المهارات الرقمية) مقارنةً بالمواد التي تُقيّم بامتحان وزاري، وعدم قدرة الطالب على دراسة تخصص جامعي خارج المسار الذي اختاره في المدرسة، وغياب الوضوح في تصنيف بعض المواد ضمن المسارات المختلفة، مثل اشتراط مسار التكنولوجيا دراسة مادتين علميتين إلى جانب الرياضيات.
ماذا بشأن حوسبة الامتحانات؟
لطالما سعت وزارات التربية والتعليم المتعاقبة منذ عام 2019 إلى حوسبة امتحانات الثانوية العامة، وكان هذا المشروع أحد المحاور الأساسية التي عملت عليها. بدأ الحديث عن الحوسبة على لسان وزير التربية والتعليم والتعليم العالي الأسبق الدكتور وليد المعاني في مطلع عام 2019، حيث توقّع التحول إلى الامتحانات المحوسبة خلال ثلاث إلى أربع سنوات. ولاحقًا، أعلن خليفته الدكتور تيسير النعيمي، في كانون الثاني من العام ذاته، أن الوزارة تعمل على حوسبة امتحاني “العلوم الأرضية” للفرع العلمي و”تاريخ العرب” للفرع الأدبي ضمن امتحانات 2020. إلا أن الوزارة عادت عن قرارها في أيار 2020، مبرّرة ذلك بالتغييرات الجذرية التي طرأت على النظام التعليمي بسبب جائحة كورونا، وما واجهته من صعوبات في توفير البنية التحتية اللازمة لهذه العملية.
في صيف عام 2023، أعلنت وزارة التربية والتعليم، بقيادة الدكتور عزمي محافظة، عن نظام التوجيهي الجديد، وكانت حوسبة الامتحانات أحد محاوره الرئيسة. واستمرت الوزارة في التأكيد على تطبيق الحوسبة حتى منتصف نيسان من العام الحالي، عندما أعلنت الحكومة عن جدول الامتحانات. ثم تراجعت الوزارة عن قرارها السابق، مع تأكيدها أنها قطعت شوطًا كبيرًا في المشروع، وتنوي البدء بتنفيذه خلال الأعوام القادمة. وذكرت أن أكثر من ألف مختبر حاسوب جُهز لعقد الامتحانات إلكترونيًا، كما تم إعداد بنوك أسئلة، غير أن توقف التمويل الأمريكي أدّى إلى تأخير غير متوقع، حال دون تدريب الطلبة على النظام الإلكتروني. وبناء على ذلك، تقرر أن تُعقد امتحانات الثانوية العامة لطلبة الصف الحادي عشر هذا العام بصيغتها الورقية.
أثار موضوع الحوسبة انقسامًا في الآراء بين مؤيد ومعارض. يرى المؤيدون أن النظام المحوسب يسهم في تسريع عملية التصحيح باستخدام أنظمة التصحيح الآلي، ويتيح تطبيق إجراءات أمان إلكترونية تقلل من محاولات الغش، كما يسهم في تقليل التكاليف المرتبطة بالورق والطباعة والتوزيع، إلى جانب توفير تقارير فورية ودقيقة عن أداء الطلبة. وأوضحت الوزارة أن من مزايا الحوسبة أيضًا إتاحة الفرصة للطلبة للتقدّم للامتحان أكثر من مرتين خلال العام، وإمكانية عقده بشكل دوري، ما يُسهّل إعادة التقدّم للطلبة المخفقين بتكلفة وجهد أقل.
في المقابل، عبّر مختصون عن تحفظات تتعلق بضرورة أن تتضمن الامتحانات تقييمًا لمهارات الطالب الكتابية، خصوصًا في المواد التي تتطلب حلولًا تحليلية مثل الرياضيات والفيزياء. كما أبدوا قلقهم من أن الفروقات في قدرة الطلبة على التعامل مع الأدوات التكنولوجية قد تخلق حالة من عدم التكافؤ، فضلًا عن التساؤلات حول مدى قدرة الوزارة على تأمين بنية تحتية متكاملة، وضمان استمرارية الامتحانات في حال حدوث أعطال في الإنترنت أو انقطاع الكهرباء. وبرزت أيضًا تساؤلات حول أمن المعلومات وإمكانية حمايتها من القرصنة، واستدامة المشروع في ظل اعتماده على تمويل خارجي. وأكد المختصون على ضرورة تدريب وتأهيل الكوادر التعليمية التي ستشرف على تنفيذ هذه الامتحانات المحوسبة.
في الختام، لا يزال التوجس يحيط بالطلبة وأهاليهم إزاء تطبيق الامتحانات الإلكترونية، وكذلك بشأن النظام الجديد للتوجيهي الممتد على عامين، إذ أن مستقبل الطالب وطموحه باتا مرتبطين بتفاصيل هذا القرار المرحلي. وعلى الرغم من أن النظام الجديد قد يشبه أنظمة معمولًا بها في بعض نماذج التوجيهي الدولية، إلا أنه يتطلب إعدادًا بنيويًا طويل الأمد حتى يكون الطالب قادرًا على تحديد مساره الأكاديمي بوعي. وهو ما وصفه الخبير التربوي ذوقان عبيدات بأنه “قرار بتطوير التوجيهي دون تطوير التعليم”.