مدونات الطلبة

الطلبة والاشتباك دفاعًا عن فلسطين

معتز عواد

وقفة احتجاجية لطلبة الجامعة الأردنية امام برج الساعة عام 2016

مرت الحركة الطلابية في الأردن بمراحل عديدة تأثرت خلالها بالحالة السياسية العامة في البلاد، ما بين كثافة الأدوات والقدرة على التأثير وارتفاع السقف والآمال وما بين شح الموارد وانحسار الحريات وتشرذم الخطاب، إلا أن كل مسألة تعلقت بقضية فلسطين كانت نقطة التجمع المركزية، أو بالعبارة التنظيمية للمعنى كانت هي المسألة العابرة للحِسابات والتوازنات المصلحية للتنظيمات الطلابية بغض النظر عن الكُلف المتوقع دفعها. 

الحديث عن الدور الطلابي في الجامعات الأردنية بما يتعلق بقضية فلسطين عليه أن يبدأ على قاعدة مفادها أن الطلبة شاركوا تاريخيًا في القتال المباشر ضد العدو الصهيوني، وقدموا الشهداء والاسرى، وحتى القادة البارزين في حركات المقاومة، بل أن بواكير تنظيم العمليات والتخطيط لها كانت تُجهَز وتقرر في كثير من الأحيان داخل الحرم الجامعي، والدلالة هنا تُفيد بمدى فاعلية الاجتماع البشري الذي تتيحه البيئة الجامعية لمن يريد أن يؤمن ثم يعمل. 

تثير هذه الحالة التاريخية والظروف الحالية للجامعات الفلسطينية الحماس في نفوس الشباب الجامعي الأردني الذي يستذكر تجارب آبائه وأجداده في الستينات والسبعينات. ربما لم تكن هذه الحقبة الأفضل من ناحية الظروف السياسية المغلقة لكن الحضور السياسي والحزبي داخل الجامعة شكلت فرصًا لم تتكرر منذ ذلك الوقت. تتميز المرحلة الحالية -لطلبة ولد معظمهم في فترة بعد تطبيع الأردن بموجب معاهدة وادي عربة- بالمساحة المحدودة للمشاركة الوطنية الشعبية في دولة تحاول الموازنة بين دعم “الأشقاء الفلسطينيين” والعلاقات الإسرائيلية.

لم تتوقف التضييقات عند الدرجة التي أصبح بها تنظيم مسيرة أو توزيع المنشورات والملصقات أمرًا شديد الكلفة على الطالب أمنيًا وأكاديميًا، بل حتى التضييق على التنظيمات الطلابية وملاحقة الطلبة الناشطين واحالتهم للتحقيق تحت حجج واهية مثل إقامة فعالية بدون مواقفة أو إثارة الفتنة والعنصرية أو تعطيل عمل مؤسسة رسمية في الجامعة، من أجل إخافة الطلبة من حقهم بالمشاركة السياسية وخلق مساحة غير آمنة للتعبير عن الرأي والاختلاف. 

ربما لم يشارك جيل التسعينات من الطلبة في رفض حلف بغداد أو كتيبة الجرمق أو إضراب المعاهدة التطبيعية، لكنه عايش توقيع اتفاقية الغاز الأردنية الإسرائيلية منذ أن أشارت وزيرة خارجية الولايات المتحدة، هيلاري كلينتون بذلك على الأردن عام 2011 حتى بدء ضخ الغاز الفلسطيني المسروق مطلع 2020. رغم أننا قسونا على اجدادنا الذين أحتلت فلسطين في عهدهم، وعلى آبائنا الذين عايشوا اتفاقيات التطبيع، إلا أننا لم نتمكن أيضًا من منع توقيع اتفاقية الغاز بالوقفات والاحتجاجات وفصل القاطع. 

في أيار 2021 فور اندلاع معركة سيف القدس، تفاعل الشارع الطلابي الأردني على مستواه المُنظم والغير منظم بكثافة هائلة من خلال البيانات الموحدة والوقفات الجامعية وقيادة التحركات في الشارع الأردني. أتذكر أكثر الأيام احتدامًا وتنظيمًا وفاعليةً في 19 أيار عندما شارك الطلبة كمًا ونوعًا، من مختلف التوجهات السياسية، في اتخاذ القرار الميداني وصولاً لأقرب نقطة لسفارة العدو وتجاوز كافة الاغلاقات الأمنية.

ربما لم يذكر الإعلام هذه الجزئية، لكن الطلبة الذين كانوا هناك عايشوها ويتناقلونها بينهم. شاركت الأطر الطلابية وحشدت طلبة الجامعات من خلال صفحات التواصل الاجتماعي للمشاركة في الوقفات الحدودية، من أجل الاشتباك المعنوي والمادي مع الجغرافيا والتاريخ والعمل الجاد من أجل التحرير الذي لا نرى فيه الحدود من الأساس. 

طور الطلبة الى جانب أدوات الاحتجاج والرفض القدرة على فرض معادلات جديدة، مثل محاولة جامعة إماراتية الترويج لمنح دراسية للطلبة في الجامعة العبرية في نشاطٍ لها بكلية الملك عبدالله لتكنولوجيا المعلومات في الجامعة الأردنية، كان الرد الفوري من الطلبة بالانسحاب من الفعالية، واعتذار إدارة الكلية عن الفعالية تحت ضغط الطلبة.

أدرك الشارع الطلابي دومًا بعقله الجمعي مدى خطورة أن تكون فلسطين مسألة ثانوية على عملية صناعة وعي الطالب الجامعي وترسيخ أسس هويته، وطنيًا، وقوميًا وعقائديًا، وما زالت الاطر الطلابية تحاول تعزيز ثقافة الطلبة عن الأرض المحتلة وتاريخها، لا من أجل الاشتباك مع  العدو المحتل فقط، بل مع الانظمة القمعية واشكال السلطة المختلفة أيضًا.  

زر الذهاب إلى الأعلى