
تصدّر الحديث عن مشاركة الشباب في الأحزاب السياسيّة المشهدَ خلال الأشهر القليلة الماضية، على خلفيّة صدور نظام تنظيم العمل الحزبيّ وقانون الأحزاب السياسيّة لعام 2022 كجزء من مخرجات اللجنة الملكيّة لتحديث المنظومة السياسيّة. يُشير القانون الأخير لحق الأردنيين في تأسيس الأحزاب والانتساب إليها وفقًا لأحكام الدستور، ومنع التعرّض لطلبة مؤسسات التعليم العالي بسبب الانتماء والنشاط الحزبيّ والسياسيّ، أملًا في تعزيز التعاون وتمكين الشباب من الخروج من حالة العزلة السياسيّة نحو الانفتاح الحزبيّ.
أولَت الرؤية الملكيّة السامية اهتمامًا كبيرًا بهذه القضية، حيث اجتمع الملك عبدالله الثاني مع رؤساء الجامعات الأردنيّة الرسميّة والخاصّة شهر يوليو الماضي، مؤكّدًا على ضرورة منع وضع حواجز أمام الشباب بالمشاركة السياسيّة، وداعيًا الشباب الجامعيّ إلى أن يكونوا جزءًا أساسيًّا في عملية التحديث السياسيّ، والانخراط في العمل الحزبيّ البرامجيّ. كما تحدّث ولي العهد الحسين بن عبدالله الثاني في اجتماعه مع عمداء شؤون الطلبة في الجامعات الرسميّة والخاصّة خلال شهري أغسطس ونوفمبر، عن دور العمادات في تيسير هذه العمليّة وتوفير بيئة آمنة للطلبة.
بحكم دراستي لتخصص الحقوق في الجامعة الأردنيّة، كنتُ على اطلاع مباشر على التحديات التي تقف في وجه شريحة طلابيّة كاملة من الجامعات هي طلبة المكرمة، الذين يواجهون قيودًا تمنعهم من الانتساب للأحزاب، وهو ما يخالف نص المادّة 20 من قانون الأحزاب السياسيّة بحق طلبة مؤسسات التعليم العالي الأعضاء في الحزب السياسيّ بممارسة الأنشطة الحزبيّة داخل حرم تلك المؤسسات من دون أي تضييق أو مساس بحقوقهم.
يَخشى طلبة الجامعات الأردنيّة الذين ينتفعون من المكارم الملكيّة التي تتيح لهم ممارسة حقهم الطبيعي في التعليم من المشاركة في الحياة السياسيّة بشكل عام والحزبيّة على وجه الخصوص، تخوّفًا من خسارة مكرمتهم التعليميّة. تشير المادة 18 من نظام البعثات الدراسية في الجامعات وكليات المجتمع الأردنيّة لأبناء ضباط وأفراد القوات المسلحة الأردنيّة على صلاحية “إنهاء بعثة الطالب إذا انتمى إلى أي حزب أو قام بأي نشاط سياسيّ لا يتفق مع مصلحة المملكة وسياساتها العليا”.
بالإضافة لما سبق، يوقّع طلبة المكارم تعهدًا وكفالة بالمحكمة توقف أو تلغي المكرمة في حال تجاوز الطالب مجموعة الشروط، والتي تشمل إلى جانب التعهدات الأكاديميّة والتأديبيّة العمل السياسيّ أو الحزبيّ “سواء بالكتابة أو الخطابة أو الإعلانات” أو “الاشتراك بأي مظاهرة مخلّة بالأمن”. إنّ وجود هذه المحددات على طلبة المكارم يحرمهم من حق دستوريّ وقانونيّ ويبادل حقهم بالتعليم في حريتهم بالتعبير عن الرأي والمشاركة السياسيّة.
تمثّل شريحة طلبة المكارم ما نسبته 20% من مقاعد الجامعات والمعاهد الأردنيّة، ولا تنعكس خطورة القيود المفروضة عليهم في إقصائهم من المشهد السياسيّ والحزبيّ فحسب، بل وتفرقة الشارع الطلابيّ ومواقفه الحقوقيّة بناءً على المصالح الفرديّة للأفراد. بكلمات أخرى، عندما يخشى طالب المكرمة على ضياع فرصته في التعليم وتخييب أمل والديه ممن لا يمكنهم تحمّل التكاليف الجامعيّة، فإنّه سيكون مضطرًا للانسحاب من دعم زملائه المحتجّين على ارتفاع رسومهم الجامعيّة، وهو ما تسبّب في بعض الأحيان بانسحاب مجموعات طلابيّة كاملة من المشاركة والدعوة لفعاليات حقوقيّة في الجامعة، رغم تحمل بعض الأحرار من الطلبة المسؤوليّة ودعمهم للقضايا الحقوقيّة بشكل غير مشروط.
على جميع مؤسّسات التعليم العالي تعديل أنظمتها وتعليماتها الداخليّة بما يتوافق مع مواد نظام تنظيم العمل الحزبيّ في الجامعات الأردنيّة بعد سنوات من الرقابة الذاتيّة التي مارسها الطلبة على أنفسهم. مع أنّ هذه الإشكاليّة هي واحدة من فجوات وتحديات كثيرة، إلّا أنّ تعديل هذه الأنظمة بما يضمن إتاحة الفرصة السياسيّة لجميع الطلبة داخل الجامعات والكليات سيكون الخطوة التشريعيّة الأولى في طريق خطوات طويلة من الجدير أنّها لا تسعى لتعديل القوانين فقط، بل لتطبيقها بشكل فعليّ على أرض الواقع.