
عاد الطلبة مطلع شهر أيار للشكوى من أحد واجبات مادة التربية الوطنية، متطلب إجباري لطلبة الجامعة الأردنية، والذي يشترط عليهم النشر على حساباتهم الشخصية منشورات حول الحياة الحزبية في الأردن أو الآثار الايجابية لدور العشائر في حل المشكلات الاجتماعية أو العنف القائم على النوع الاجتماعي وأثره على العلاقات الاجتماعية، من أجل جمع اللايكات وتحصيل علامة الواجب. يحاول هذا المقال الإجابة على ثلاثة محاور رئيسية في هذه القضية وهي بداية القصة، والانتهاكات الحقوقية في هذه الواجبات، وسيرة الجامعات في محاولة السيطرة على حسابات الطلبة على مواقع التواصل الاجتماعي.
متى بدأت القصة؟
بدأت القصّة الفصل الدراسي الماضي مع بداية شهر ديسمبر، فتح الطلبة حساباتهم على منصة التعليم الإلكتروني (e-learnling)، بالتحديد صفحة مساق الثقافة الوطنية، ليجدوا الواجب الثاني. يشترط الواجب من الطلبة نشر منشورٍ على أحد مواقع التواصل الإجتماعي حول “إيجابيات” قانون الأحزاب السياسية والحصول على 40 إعجاب، بشرط أن تكون الصفحة عامة (Public) ويحمّل الطالب رابط المنشور أو صورة عنه على المنصة. خُصص للواجب سبع علامات، ونصّ على أنّه “كلما زادت هذه الأعداد، ينعكس ذلك على علامة الطالب”.
لم تكن مادة الوطنية هي المادة الوحيدة التي نشرت واجب كهذه، لأن مادة القدس، متطلب اختياري لطلبة الجامعة الأردنية، نشرت واجبًا مشابهًا موضوعه الوصاية الهاشمية على المقدسات. خلال الأربعة عشر يومًا المخصصة لحل الواجب وتسليمه، تفاوتت وجهات نظر الطلبة في التعامل معه، إلّا أنّ الشيء المؤكد هو أنّه أثار جدل الجميع. استجاب غالبية الطلبة لحل الواجب على مضض وبدأ الفيسبوك يمتلئ بنصوص قانون الأحزاب التي لا يقرأها أحد لكنّهم يضعون لها اللايكات من أجل العلامة. قام بعض الطلبة بمشاركة واجباتهم على مجموعات الفيسبوك الطلابية، حيث يرفقون روابط منشوراتهم في التعليقات قائلين “رُد اللايك” حتى يتفاعل عليها الطلبة.
في المقابل، امتنعت مجموعة من الطلبة عن حلّ الواجب ودعت لمقاطعته، وهو ما تفاعل معه بعض أعضاء الهيئة التدريسية بطريقة سلبية. أصدرت كتلة العودة والتجديد وفريق حقوق الإنسان بيانات رفضوا فيها الواجب، في نفس الوقت غابت كتل مثل النشامى وأهل الهمة عن التعليق على القضية. جمع فريق حقوق الانسان 300 توقيعًا من الطلبة على عريضة ترفض حل الواجب ورفعوها لرئاسة الجامعة التي استجابت لبعض المطالب عن طريق إلغاء شرط حصول بوست الواجب على ٤٠ لايك، وإلغاء اشتراط ذكر “الإيجابيات” من واجب الوطنية.
ما الانتهاكات التي ينطوي عليها الواجب؟
رغم أنّ الجامعة اضطرت لتعديل الواجب بعد أن أصبح مثارًا للسخرية وتداولته حسابات مواقع التواصل الاجتماعي من خارج الجامعة، إلّا أنّ المشكلة الجوهرية فيه وهي تدخّل الجامعة بحسابات الطلبة على مواقع التواصل الاجتماعي ما زالت قائمة. يشكّل هذا الواجب اعتداء على حق الطلبة في التعبير عن الرأي والتي نصت عليها المادة 15 من الدستور والمادة من 7 من نظام تنظيم ممارسة الأنشطة الحزبيَة الطلابيَة، وانتهاكًا لخصوصيتهم في نشر محتوى لا يرغبون بنشره أو إعداد حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي.
تمتد سلطة الجامعة إلى ما وراء التحكم بحسابات الطلبة وخياراتهم في النشر من عدمه إلى اشتراط طبيعة المحتوى الذي يتم نشره. حتى عندما أرادت الجامعة واجبًا عن قانون الأحزاب السياسية، فقد اشترطت أن يذكر هذا الواجب إيجابيات القانون فقط. كما شكّل معيار تقييم الواجب والحصول على العلامة انتهاكًا آخر، إذ أنّ المفروض أن تعتمد هذه العملية على جودة الإجابة أو اجتهاد الطالب، لا عدد اللايكات على المنشور، وهو ما أجبر الطلبة على تسليم الواجب خوفًا من الحصول على علامة “صفر”.
مع قيام الجامعة بتعديل بعض شروط الواجب، ارتكبت تعديًّا حقوقيًا آخر، وهو تقليص مدة تسليم الواجب إلى 24 ساعة. الأصل أن تشكّل مواد الجامعة الاختيارية والإجبارية مساحة يفكّر فيها الطلبة وينتقدون ويعبّرون عن رأيهم في مواضيع خارج تخصصهم الجامعي وذات صلة بمجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية العامة، في حين أصبحت هذه المتطلبات مجرد عبء يسعى الطالب لتجاوزه وتحصيل علامة مرتفعة. وها هي الجامعة الآن تعود لنشر هذا الواجب مرة أخرى في الفصل الدراسي الحالي.
هل الجامعات مهووسة بحسابات الطلبة؟
لا يفترض أن تمتلك الجامعة وصاية أو سلطة للتحكم بحسابات الطلبة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تشكّل مساحات يعبروا فيها عن آرائهم الشخصية. لم يكن هذا الواجب أول حادثة تعبّر عن قلق الجامعات بحسابات الطلبة ورقابتهم لها، إذ تحفل الذاكرة بملاحقة الطلبة على خلفية منشوراتهم أو تعليقاتهم، أو منعهم من النشر أو مطالبتهم بنشر محتوى محدد. عام 2015، أصدرت عمادة الجامعة الهاشمية قرارًا حذرت من خلاله الطلبة من نشر أي خبر يتعلق بالجامعة الهاشمية مواقع التواصل الإجتماعي والقيام بهكذا “تجاوزات”، حيث تنتظرهم عقوبات تصل حد الفصل النهائي من الجامعة.
عام 2020، حوّلت إدارة الجامعة الطلبة للجان التحقيق على خلفية منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة للضغط على الطلبة لنشر اعتذاراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما استجاب له الطلبة بتنظيم فعالية ساخرة أمام البوابة الرئيسية بعنوان ‘آسفين يا إدارة’. وفي العام نفسه، استدعت الجامعة عشرين طالبة من طالبات السكن الداخلي للتحقيق بعد ورود شكاوى منهن ومنشورات حول تردي الوضع داخل السكنات، وهو ما نفته الجامعة مدعيةً أنّ الاستدعاء جاء “بغرض التواصل والاستماع إلى مطالبهن”.
عام 2021، اتخذت عمادة الجامعة الأردنية قرارًا نهائيًا وغير قابل للاستئناف بفصل الطالبة الخريجة يارا الدميسي لمدة فصل واحد على خلفية منشور تحدثت فيه عن إصابتها خلال محاضرة لكلية التربية الرياضية لمساق “سباحة 2”. قامت مدرسة المساق برفع شكوى بحق الطالبة، بسبب المنشور والتعليقات عليه وبررت الجامعة قرار فصلها بأنها لم تتقدم بأي شكوى لدى عمادة الكلية، وكأن آلية تقديم الشكاوى في الجامعة في غاية الفعالية.
عام 2022، حوّلت عمادة جامعة آل البيت طالبًا للجنة تحقيق إثر تعليق “يعطيكم العافية” على الفيسبوك من حسابه الشخصي لإحدى صفحات الكتل الطلابية الموجودة في الجامعة. تلفت هذه الحوادث النظر إلى واقع حرية التعبير الذي يتمتع به الطلبة في ظل خطابات الإصلاح والتمكين السياسي، التي نسمع بها ولا نراها. مع مرور الوقت، تستمر الجامعة في فرض الواجب على الطلبة، وربما جامعات أخرى تحذو حذوها، ويصبح انتهاك الحقوق أمرًا اعتياديًا مثل حلّ هذا الواجب الذي يشبه الكثير من الواجبات غير المفيدة.