مدونات الطلبة

الاتّحاد العام لطلبة الأردن: ثمنٌ باهظ ونضالٌ متجدّد

تالا السواعير

انتخابات اتحاد طلبة الجامعة الأردنية داخل مقصف كلية الاقتصاد والتجارة عام 1973

لطالما كانت رغبة الطلبة في إيجاد جسم موحّد يُمثّلهم متجذرة بعمق في قلوبهم حتى قبل تأسيس أول جامعة في الأردن، وعندما كان الخطاب الشائع يحاول ترسيخ فكرة أنّ الجامعة هي فقط مكانٌ للتعليم وأنّ الشباب ينحصر دورهم في الدراسة، كان هناك العديد من الطلبة ذوي البصيرة النيّرة ممن يحاولون خلق ما هو أكثر من ذلك بكثير، فحملوا على عاتقهم هذه المسؤوليّة ولم يتوانوا عن صناعة المجد. 

مرّت فكرة تأسيس اتّحاد عام لطلبة الأردن بمراحل عديدة؛ عُقد المؤتمر العام لطلبة الأردن عام 1953 في العواصم العربيّة بقيادة البعثيين، وأعلن الطلبة الأردنيون الشيوعيون عن تأسيس اتّحاد الطلبة الأردنيين في الجامعة الأردنية عام 1968، لكن نشاطُهما كان محدودًا بسبب الظروف السياسية. في أوائل السبعينات، انطلق الاتّحاد الوطنيّ لطلبة الأردن/ جبهة النضال الطلابيّ تحت إشراف الفصائل الفلسطينية بهدف تعبئة الطلبة في المقاومة. وبعد أحداث أيلول عام 1970، شاركت جميع القوى الطلابية في مؤتمر طلابيّ في لبنان أسفرَ عن تأسيس الاتّحاد العام لطلبة الأردن الذي حقق انتشارًا واسعًا بين الطلبة. 

بعد تأسيس الجامعة الأردنية عام 1962، قامت الجامعة بأولى خطوات احتواء العمل الطلابيّ من خلال عقد أول انتخابات لاتّحاد للطلبة عام 1974 والتي فاز فيها الإسلاميون بواحد وعشرين مقعدًا. في نهاية العام، أعلن طلبة الكليات العلمية الإضراب للمطالبة بإقرار نظام داخلي جديد للاتّحاد ونجحوا في ذلك، قبل أن تقرّر إدارة الجامعة حلّه، وعدم إجراء انتخابات جديدة بحجة “التسييس”. مرّة أخرى، بَقِي الطلبة بدون ممثل لهم، وتم استبدال الاتّحاد بالجمعيّات الطلابية التي انحصرت في القضايا الخَدَمية والفعاليات الترفيهية وخضعت لرقابة الجامعة وتدخّلها المباشريْن. 

واجه الاتّحاد العام لطلبة الأردن بعد ذلك الانشقاقات الداخلية وتجمّدت نشاطاته بسبب الخلافات السياسية، وعلى الرغم من سعي الجامعة لتوجيه بوصلة العمل الطلابيّ، إلّا أنّها لم تنجح في فصل الطلبة عن العمل السياسيّ. تأثّر الشارع الطلابيّ داخل الجامعات الأردنية بشكل كبير بأحداث جامعة اليرموك عام 1986 التي تعاملت معها الجامعة والأجهزة الأمنية بوحشية، وهبّة نيسان عام 1989 التي بدأت في مدينة معان احتجاجًا على الظروف الاقتصادية السيئة. 

في ضوء هذه الأحداث، عادت الحياة البرلمانية وشارك الطلبة بشكل فاعل في الأحزاب، وبدؤوا بمناقشة شكل التمثيل الطلابي الذي يريدونه بعيدًا عن تدخلّات الجامعة. ولذلك، تقدّم الطلبة القوميون واليساريون بإعادة طرح فكرة الاتّحاد العام لتمثيل الطلبة الأردنيين في الداخل والخارج وقاموا بمناقشتها مع الإسلاميين في عدة اجتماعات نتج عنها مقترحان. الأول هو تشكيل اتّحاد عام لجميع الجامعات الأردنية بعنوان “مبادرة الوحدة الطلابية طريقنا للاتحاد”، والثاني تشكيل اتّحاد موضعي في كل جامعة على حِدة.

في عام 1990، عُقِدَ استفتاء عام في الجامعة الأردنية للمرة الأولى في تاريخها، بهدف تحديد أيٍّ من المقترحين يجب تطبيقه. وقد شهد الاستفتاء إقبالًا مهولًا رغم التدخلّات الأمنيّة، إذ بلغ عدد الطلبة المشاركين في التصويت 84%، ووصلت نسبة الطلبة المؤيدين لمقترح الاتّحاد العام إلى 76%. نتيجة لذلك، دُعي لانتخابات اللجنة التحضيرية المؤقتة التي تمهّد لتشكيل الاتّحاد العام. تمحورت مهام اللجنة حول وضع قانون الاتّحاد العام سُمّي لاحقًا “دستور الاتحاد العام”، وحصل الإسلاميون حينها على 96% من مقاعد اللجنة برئاسة “حسام غرايبة”، ولم يكن هناك تمثيل حقيقي لأيّ اتجاهٍ آخر، خصوصًا اليساريون الذين كانوا أصحاب الفكرة. 

استفادت اللجنة التحضيرية من التجارب الطلابية في العالم العربي، أبرزها مصر والسودان واستشاروا عدة أساتذة قانون من أجل صياغة مقترح قانون “دستور الاتحاد العام” الذي يوضح شكل الاتّحاد العام ومهامه وأهدافه. بحسب الدستور، يعرّف الاتّحاد العام على أنّه “منظمة طلابية نقابية وطنية ديمقراطية تمثل الطلاب الأردنيين في الداخل والخارج، وهي جزء من الحركة الطلابية التقدمية العربية والعالمية”.

قامت اللجنة بالتواصل مع إدارة الجامعة الأردنية للبدء في مشروع الاتّحاد العام، ولكن رد الجامعة الأردنية كان أنّ مُباشرَة هذا المشروع يتجاوز صلاحياتها. كما التقى ممثلو اللجنة برئيس الوزراء، طاهر المصري آنذاك، وسلّموه مشروعًا مستعجلًا للقانون لم يحظَ بالمُراجعة حتى الآن. 

اشتكى الإسلاميون من مماطلة الجهات الرسمية وتحوّل دور اللجنة التحضيرية للاتّحاد العام للدور الخدماتي البحت، ونظموا الوقفات الاحتجاجية اعتراضًا على ذلك، في حين اتهمهم اليساريون بعدم الجدية في تطبيق المقترح خصوصًا بعد اتفاقهم عام 1992 مع إدارة الجامعة الأردنية برئاسة الدكتور فوزي الغرايبة على تحويل فكرة الاتّحاد العام إلى فكرة الاتّحادات الموضعية في الجامعات.

لم يكن الاتّحاد العام للطلبة مجرد فكرة، بل هدف طلابي يُعبّر عن الإيمان المتجدّد بدور الحركة الطلابية وقدرتها على تمثيل مطالبها. تظل تجربة الاتّحاد العام لطلبة الأردن درسًا قاسيًا في التنظيم الطلابي وحلمًا لم يرَ النور. إنّ ما نريده حقًا هو أن لا نشهد عودة اتحادات الطلبة فقط بعد جائحة كورونا، بل أيضًا ولادة الاتّحاد العام لطلبة الأردن وإعادة كتابة التاريخ بأمجاد الطلبة. 

تم إعداد هذا المقال بالاستناد على كتب ومراجع بحثية أبرزها: بحث “إضاءات على الحركة الطلابية في الجامعة الأردنية” لمحمود الدبّاس، وكتاب “الحركة الطلابية الأردنية 1948 – 1998” لسامر خرينو، وكتاب “صفحات من تاريخ الحركة الطلابية الإسلامية الأردنية” لطارق النعيمات وزياد اللالا، وورقة “الحركة الطلابية الأردنية” لهشام البستاني، المنشورة في ملف خاص عن الشباب والمشاركة السياسية في الأردن في مجلة الآداب اللبنانية، وكتاب “الحركة الطلابية الفلسطينية: الممارسة والفاعلية” لعماد غياظة.

زر الذهاب إلى الأعلى