مدونات الطلبة

“متى أرجعلك؟”: 45 يومًا للموافقة على فعالية

يوسف أبو الرب

إحدى فعاليات معرض “أنا راجع” الذي نظمته كتلة العهد الطلابي في جامعة البوليتكنك على مدار يومين بالتزامن مع ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني، أيار 2022

أكتبُ لأخبركم قصةً مملةً عن السعي لمدة خمسة وأربعين يومًا وراء موافقة عقد فعالية في كلية الهندسة التكنولوجية/ جامعة البوليتكنك، بدءًا من ملء طلب الفعالية في عمادة الكلية حتى عقد “أنا راجع 3″، وهو نشاط وطني ثقافي يمتد لثلاثة أيام تشمل معرضًا وطنيًا عن القضية الفلسطينية، واستضافةً لشخصيات وطنية، وحفل موسيقي ختامي. أعرفُ أنّ كثيرًا من زملائي في البوليتكنك وجامعات أخرى يشاطرونني المعاناة نفسها، رغم أنّ تعليمات الأندية الطلابية في جامعة البلقاء التطبيقية تضمن حق الطلبة في عقد النشاطات، والمادة السادسة من نظام تنظيم العمل الحزبي في الجامعة تُلزم العمادة بإصدار قرارها في طلب إقامة الأنشطة خلال مدة لا تزيد على خمسة أيام عمل من تاريخ تقديمه.

في الثالث من نيسان عام 2022، أيّ قبل ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني بشهر ونصف تقريبًا، المنوي عقد الفعالية فيه، توجّهتُ لعمادة شؤون الطلبة في كُليتنا قاصدًا مسؤول لجنة النشاطات والفعاليات الذي قدم لي طلبًا أذكر فيه تاريخ عقد النشاط، وأسماء الضيوف، واللوازم المطلوبة. أعدتُ الورقة في اليوم التالي بعد تعبئتها بالمعلومات اللازمة، لكنّه رفض استلامها قائلًا “اليوم اجتماع، ارجع بكرا”، كأنّ استلام الورقة إجراء يحتاج يومًا كاملًا. يمتنع بعض الموظفين الإداريين في الجامعات عن أداء أو متابعة مهامهم أحيانًا، بما فيها استلام الوثائق التي تتيح للطلبة متابعة طلباتهم أو مسائلة رفضها، لا تتيح الجامعات أية وسائل شكوى يمكن من خلالها الإبلاغ عن هذه الممارسات، ولو وجدت، فهي تمر بنفس الموظفين المشتكى عليهم.  

عدتُ اليوم التالي صباحًا آملًا أن لا يكون لديه أية اجتماعات، استلم ورقتي وأخبرني بحاجته لمراجعة الورقة. بعد مرور ثلاثة أيام، في العاشر من نيسان 2022، أخبرني المسؤول “مش قلتلك أنا بردلك خبر، ليش تيجي؟”، مدّعيًا أنّه لم يُنهي الاطلاع على النشاط. عندما أخبرته أنّي لم أقم بتحديد الموعد بل هو من أخبرني بحاجته لهذه المدة، دعاني ساخرًا لأجلس مكانه وأقوم بعمله. لم يكن الطلب الذي قدمته يحتاج أكثر من خمس دقائق لقراءته، لكنّني احترمت انشغاله ووجّهت له السؤال الروتيني “متى ارجعلك؟” فقال لي “لمّا أخلص ومش شغلك متى بخلّص”. لم تثر هذه المواقف حفيظتي، فمن خبرتي في العمل الطلابي، لم تكن هذه المرة الأولى التي أتعامل بها مع المماطلة في الاجراءات. 

خلال الأيام الثلاثة المتتالية، لم أتمكّن من مقابلته لغيابه في إجازة أو انشغاله في اجتماع. زيارتي المتكررة للعمادة أثارت فضول بعض الموظفيّن المتسائلين عن سبب قدومي للمبنى. أتذكر مرّة كيف سألتني سكرتيرة هناك “نفسي أعرف ليش كل يوم عنا؟ انت ايش بدك؟”، ضحكت وأخبرتها بأنّي أريد موافقة نشاط. “التطفيش” هو أسلوب تقليدي يعني دفع الأفراد لفقدان الرغبة في أهدافهم، وهي ممارسة تقليدية في الجامعات، لا تخدم بالضرورة تشجيع الطلبة على عقد الأنشطة أو خطاب المشاركة السياسية للشباب. 

في الرابع عشر من نيسان، أكاد أكون أول طالب يصل الجامعة صباحًا، توجهت لمبنى الشؤون الطُلابية وجلست بالقرب منه في انتظار مسؤول الأنشطة الذي يرفض رؤيتي. عندما حَضر ورآني، تجهم وجهه لكني تبعته وسألته “شو صار؟”، فأخبرني “النشاط مرفوض”. وعندما سألته عن السبب، أخبرني أنّ “النشاط مُكرر”. كنت محظوظًا لأنّ الموظف أخبرني بالسبب، إذ أحيانًا تمتنع الجامعات عن الموافقة دون توضيح، لكن السبب الذي ذكره -وإن افترضنا منطقيته- كان مضحكًا بالنسبة لجامعة تكرر كل سنة عقد فعالية للطلبة الجدد ومحاضرة للتحذير من مضار التدخين ومسابقة لحث الطلبة على البحث عن الحلول المبتكرة للتحديات العالمية. 

عدت لمكتبه من أجل تقديم طلب آخر مع بداية أسبوع جديد في السابع عشر من نيسان، ووجدته قد غيّر رأيه جزئيًا قائلاً “مش رفض رفض، أنا بس بدي أطّلع على الموضوع بشكل أوسع”، خصوصًا بعدما كنتُ مصرًا على الحصول على ورقة رسمية توضح سبب رفض عقد الفعالية. طلب منّي حينها تفاصيل المعرض كاملًا، من صور وشرح، ورغم أنّي أعارض هذا التصرف بالمبدأ، لكنّني قابلتُه بالإيجاب وأخبرته أنّي سأجهز المطلوب وأعود له. لا يوجد ما يجبر الطلبة قانونيًا على تقديم محتويات عروض للعمادة بشكل كامل رغم أنّ العمادة تملك الحق في الاطلاع على هذه المحتوى، لكن هذا العرف المفهوم ضمنًا يهدف لفرض رقابة على شكل المحتوى وسقفه وفي كثير من الأحيان توجيهه والتدخل فيه، أو إتاحة مجال آخر للمماطلة والتسويف. 

عندما قدمت محتوى المعرض، أخبرني أنّه يحتاج وقتًا طويلًا لقراءة التفاصيل، وعندما دعوته لتحديد الفترة الزمنية التي يحتاجها مهما بلغت مدتها، رفض الالتزام بذلك. عدت يوم الخميس الموافق 21 نيسان، أكّد لي أنّه سينتهي من مراجعتها يوم الأحد. تحتاج فكرة التقديم لفعالية للتفرغ ولجهد نفسي هائل ما بين ملاحقة الموظفين وتحمل طلباتهم بما فيها طلباته بحذف بعض أركان المعرض، وبالفعل، ألغي ركني المقاطعة والشهداء. تزداد إجراءات الموافقة على الفعاليات تعقيدًا عندما ترتبط الفعاليات بفلسطين رغم ارتباط فلسطين اليومي بحياتنا ومصيرنا، وثق الطلبة في كتلة العودة/ الجامعة الأردنية انتهاكات مباشرة في رفض عقد معرض وطني والتحقيق مع الطلبة المشاركين في الوقفات المناهضة للتطبيع. 

لم تكن هذه نهاية الإجراءات، إذ دعاني لزيارته من أجل التحدث في التفاصيل. كانت هذه التفاصيل مزيدًا من الطلبات المرهقة، “بدي السيرة الذاتية لكل ضيف”. بغض النظر عن تطور التطفيش إلى تعجيز، أو أنّه كان يستطيع طلب ذلك في الزيارة السابقة، إلا أنّني قمت بتجهيز هذه المهمة وتقديمها. وكالعادة أخبرني بحاجته لوقتٍ كافٍ لمراجعة المحتوى. كان الأسبوع القادم هو آخر اسابيع الدوام قُبيل عُطلة عيد الفطر، وصببت تركيزي على أن أحصل على الموافقة قبل العطلة حتى لا يتغير موعد الفعالية. 

إلى حد ما، شعرتُ بالارتياح أنّ الأمور أخذت منحًا جديًا وكنت مستعدًا لتجهيز أي ملف يطلبه منّي، لكن المضحك أنّ ما سبق كان تمهيدًا. أخبرني المسؤول عندما عدت له “يلا هيك الموضوع طلع من عندي وصار عند عميد شؤون الطلبة”. بدأت الآن رحلة “مرمطة” جديدة، نجهل نتيجتها وكذلك مدتها لكنّنا مضطرون لخوضها. دخلت مكتب العميد وأخبرته أنّي مُقدم الفعالية مستعرضًا محتواها، وقال أنّ الرد سيكون بعد العيد. لم تؤخذ جهودي السابقة في عين الاعتبار ولا أعتقد أنّ حساسية توقيت الفعالية المرتبط بذكرى النكبة يعني أي شيء للعمادة، وهذا هي معضلة “استجداء الموافقة”. تقتل هذه الإجراءات البيروقراطية إمكانية الطلبة من التفاعل مع الأحداث من حولهم، ومن أن يكونوا جزءًا من حالة سياسية أكثر عمومًا وجدوى، نعرف تاريخ ذكرى النكبة، لكن لو تقدم الطلب بنشاط يتزامن مع حدث سياسي محلي، فهل سيتمكنوا من عقده في الوقت المناسب؟ 

انهمكت مع زملائي خلال العطلة في التوسع بتجهيز محتوى الفعالية وتنظيم تفاصيلها الإدارية والتنسيق مع الضيوف على فرض أنّ الموافقة مسألة وقت. مع انتهاء العطلة في الثامن من أيار العام الماضي، رفض المسؤول أن أرى العميد بعد زيارتي لمكتبه وانتظاري حتى انتهائه الاجتماع. في اليوم التالي، تمكنت من رؤيته وعدت لتذكيره بنشاطي وحاجتي للرد قبل ستة أيام من التاريخ المجدول لعقد الفعالية. قال لي العميد أنه سيرفع كتابًا للسلط، حيث يوجد الفرع الرئيسي للجامعة والمتمركز في اتخاذ القرارات، من أجل الحصول على الموافقة، أخبرني أيضًا عن استحالة الحصول على الموافقة بالتاريخ المُحدد، داعيًا إيّاي لتقديم موعد جديد. 

بدأ القلق يتملكني بعد هذا الرد، وأصبحت خائفًا من فشل عقد النشاط بعد التجهيز له، شعرت بأني عدت إلى نقطة الصفر عندما ملأت طلبًا جديدًا للتقدم بنشاط. كانت تفاصيل النشاط نفسه وكذلك الضيوف، لكني غيّرت المواعيد بناءً على طلب العميد. طلبوني مجددًا ثلاثة أيام لمراجعة تفاصيل الطلب. بشكل فعلي، هذه التفاصيل كفيلة بأن تفقدك إتزانك وتدفعك للغضب وتشعرك بالعجز، لأنه، ما لم تملك علاقات شخصية، لا طريقة بديلة للحصول على موافقة. 

أخبرني مسؤول الأنشطة أنّ الامور تسير على ما يرام في زيارتي التالي، “ما ظل غير توقيع العميد”، بحسب قوله. حملتُ ورقتي ودخلت لمكتب العميد ودعوته للتوقيع على ورقتي. بدأ العميد يفاوضني على مكان التقديم والترتيب ومدته. قال لي “اعملوه بيوم واحد وخلص”، لكنّني رفضت ذلك فتفاوض معي على يومين بدلاً من ثلاثة. 

في ال18 من أيار، حصلنا على توقيع العميد بالموافقة على عقد النشاط، وكانت فرحة زملائي هائلة. رغم استعدادنا لما توقعناه من بيروقراطية، إلا أنّ هذه المطالب جديرة بتشتيت النظر عن الفعالية نفسها بقدر ما توجه الجهود وتستنزف الطاقة في الحصول على الموافقات. الكثير من الأنشطة الطلابية تخرج بشكل أقل من المستوى بسبب أن ذلك كان مقصودًا وأنّ طاقات الطلبة ومواردهم المالية والزمنية محدودة في النهاية. تفرض هذه الظروف عبء البيروقراطية على الطلبة إذ يسعون لمتابعة إجراءات الموافقة والتجهيز للنشاط في خطين متوازيين لا يتأثر بعضهما بالآخر حتى لو لم يتمكنوا من الحصول على الموافقة وتراجع طاقتهم للعمل والنشاط الطلابي. 

لا يمكن أن تكون هذه المتابعات محفزة للعمل الطلابي وشعارات تمكين الشباب، إذ يمكن اختصار كل هذه الجهود والطاقات في ساعات معدودة وقليلة جدًا. لا تستنزف البيروقراطية من الطلبة وحماسهم فقط، بل أيضًا بموارد العمادات التي تصبح موجهة في غير مكانها. انصّب جهدنا من جديد على انجاز المعرض وانتاجه بأفضل ما يمكن والذي تكلل بالنجاح في الثالث والرابع والعشرين من أيار العام الماضي. 

الهوامش 

  • خَضَعت التواريخ الواردة في هذه المدونة للتدقيق، إما عبر شهادات الزملاء أو نسخ من الكتب الرسمية التي تم تقديمها للعمادة أو تواريخ رسائل نصية تم تداولها كجزء من الحدث. تحتفظ الحراك بنسخة عن هذه الوثائق لغايات التحقق من صحة المعلومات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى