مدونات الطلبة

التعليم للأغنياء: ما هي أبرز تعديلات صندوق دعم الطالب الفقير؟

علي نصار وأفنان أبو يحيى

وقفة احتجاجية نظمتها كتلة التجديد العربية في الجامعة الأردنية رفضًا لتعديلات صندوق دعم الطالب، 26 كانون الأول 2023

“آلاف الطلبة سيُحرمون من حق الاستفادة أو المنافسة للحصول على الدعم من خلال المنح والقروض في صندوق دعم الطالب”، هكذا عبّر النائب الدكتور بلال المومني، عن رفض لجنة التربية والتعليم النيابية التعديلات الأخيرة التي أقرّها مجلس الوزراء على نظام صندوق دعم الطالب الجامعي دون الرجوع إلى اللجنة النيابية المختصّة أو استشارتها. 

يتبع صندوق دعم الطالب في الجامعات الأردنية الرسمية لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ويقدّم منحًا كاملة أو جزئية، أو قروضًا دراسية للطلبة الأردنيين لمرحلتي الدبلوم المتوسط والبكالوريوس، بناءً على شروط يفاضل بها بين طلبات الطلبة للقبول الموحد بحسب مستواهم الاقتصادي ومكان إقامتهم، بشرط أن يكونوا أردنيي الجنسية وحاصلين على شهادة الدراسة الثانوية العامة الأردنية أو ما يعادلها من داخل المملكة أو خارجها. يعتمد الصندوق ماليًا على نسبة من ميزانية وزارة التعليم العالي لا تتجاوز عشرة ملايين دينار، فيما يتم تحصيل خمسة مليون من القروض التي يسددها الطلبة بعد انتهاء دراستهم الجامعية وانخراطهم في سوق العمل. 

بدأ الصندوق لدعم الطالب الفقير الذي لا يستطيع دفع رسوم الدراسة الجامعية في بلد تحتل الترتيب السادس عربيًا في مؤشرات غلاء المعيشة. تتراوح تكلفة الدراسة الجامعية على البرنامج التنافسي في الجامعة الأردنية ما بين 2500- 10000 دينار أردني، وعلى البرنامج الموازي ما بين 8200- 45000 دينار أردني. قد تصل هذه المبالغ لثلاثة أضعافها في بعض الجامعات الخاصة والتي لا تمتلك جميع شرائح المجتمع المقدرة المالية للدراسة بها. 

ولذلك، فإنّ وجود صندوق دعم الطالب يُعدّ حاجةً ملحّةً لتخفيف وطأة هذه التكاليف، ولتكريس عدالة التعليم الجامعي بناءً على الكفاءة. بحسب حملة “ذبحتونا”، فإنّ طلبة التنافس لا يمثلون سوى 40% من طلبة البرنامج العادي، في حين يتوزّع البقية بين طلبة المكارم وفق استثناءات واعتبارات فئوية محدودة، تنخفض نسبة طلبة التنافس إلى 21% من مجموع طلبة الجامعات الأردنية الرسمية إذا ما أضفنا لهم طلبة البرنامج الموازي، بحسب الحملة. 

في الرابع عشر من كانون الأول العام الجاري، صدرت الإرادة الملكية بالموافقة على قرار مجلس الوزراء بإقرار نظام صندوق دعم الطالب في الجامعة الرسمية بمقتضى من المادة 4 من قانون التعليم العالي والبحث العلمي رقم 17 لسنة 2018. عدلت الحكومة وفقًا للنظام الجديد شروط الاستفادة من دعم صندوق الطالب، بحيث لا يقل معدل الطالب التراكمي في الفصل السابق لتاريخ تقديم طلب الاستفادة من المنحة أو القرض 2.5 من 4 نقاط أو عن 68% أو عن تقدير جيد، في حين كان في السابق لا يقل معدل الطالب التراكمي عن 60 بالمئة أو عن نقطتين من أصل 4 نقاط. 

تطالب التعديلات الجديدة الطلبة المستفيدين من القروض الجزئية ببدء سدادها بعد سنتين من تخرجهم بدلًا من خمس سنوات كما في النظام السابق، كما تُقصي الطالب الحاصل على عقوبة إنذار تأديبي فأعلى من التقديم أو توقف عنه المنحة أو القرض خلال فترة العقوبة في حال تعرض الطالب لها بعد قبوله في الصندوق. لم تكن عقوبة الإنذار سابقًا، والتي قد يحصل عليها كثير من الطلبة لأسباب ذات علاقة بنشاطهم السياسي والحقوقي والوطني، كافية لحرمان الطلبة من حقهم بالانتفاع من المنحة أو القرض الحكومي. 

تحدّد التعليمات الجديدة سقفًا لعدد المستفيدين من المنح من أفراد العائلة بمنحة واحدة فقط، يخالف ذلك التعليمات السابقة التي تحتسب لكلّ طالب لديه أخوة في الجامعات 50 نقطة في ضوء التكاليف الدراسية التي تتحملها العائلة. بالإضافة لذلك، يلغي التعديل الأخير نقاط بُعد منطقة السكن عن الجامعة التي كانت تعادل ١٠٠ نقطة، ويمنع طلبة السنة الأولى من التقديم للمنح والقروض الجزئية (٤٥ ساعة)، والسماح لهم بالتقدم للمنح الكاملة فقط، ويحدّد حالات إعفاء المستفيدين أو كفالاتهم، حسب مقتضى الحال، من المبالغ المترتبة عليهم، ومنح لجنة إدارة الصندوق صلاحية إعادة النظر في هذه الإعفاءات حال ثبوت انتفاء أسبابها.

لاقت هذه التعديلات اعتراضًا واسعًا من لجنة التعليم النيابية وأوساط المؤسسات والحملات الطلابية الحقوقية، وذلك لأنّها تهدف بشكل رئيسي لتقليص عدد الطلبة المستفيدين من المنح والقروض، بدلًا من التوسّع بهذه الشريحة كخطوة باتجاه التعليم الجامعي الذي تكفله الدولة الأردنية لمواطنيها بموجب المادة السادسة في الدستور. يضيّق إلغاء نقاط بُعد سكن الطالب عن الجامعة على الطلبة الذين يعانون من ارتفاع تكلفة المواصلات وغياب النقل الآمن، عدا عن أنّ مطالبة منتفعي القروض بالسداد بعد سنتين من التخرج تهدّد آلاف الطلبة بالتعميم الأمني في بلد وصلت فيه نسبة البطالة إلى 22% خلال الربع الأول من العام الجاري وترتفع فيه معدلات الفقر إلى 35% من أصل 11.3 مليون نسمة. 

تثير هذه التعديلات أيضًا مخاوف إقصاء الطلبة الناشطين والفاعلين في العمل الطلابي وثنيهم عن المطالبة بحقوقهم مقابل الحفاظ على شمولهم بصندوق دعم الطالب، مثلما تحرم المادة 18 من نظام البعثات الدراسية في الجامعات وكليات المجتمع الأردنية طلبة المكارم من ممارسة حقهم السياسي. سبق وأن وجّهت عمادات شؤون الطلبة في الجامعات الأردنية مؤخرًا وبدءًا من السابع من أكتوبر لطلبتها عقوبات مختلفة تراوحت ما بين التنبيه والإنذار والفصل الكلّي على خلفية تنظيمهم أو مشاركتهم في فعاليات تضامنية مع القضية الفلسطينية ضد الحرب الإسرائيلية على غزة، بحسب ما رصدته المدونة في شكاوى طلابية استقبلتها. 

مرّرت الحكومة هذه التعديلات في توقيت حساس، إذ لم تُعرض هذه التعديلات على لجنة التعليم النيابية ولم تحظَ بمناقشة مؤسسات المجتمع المدني والتجمعات الطلابية، والأهم أنّها لم تأخذ بعين الاعتبار الظروف الاقتصادية الصعبة وتبعات جائحة كوفيد-19 التي ما زالت آثارها تنعكس على الطبقة المتوسطة. أقرّ النظام الجديد لهذا العام بينما ينشغل الرأي العام والطلبة في التفاعل مع أحداث عملية طوفان الأقصى والدفاع عن الطلبة الذين يواجهون عقوبات مغلظة إثر ممارستهم حقهم في التعبير عن الرأي والمشاركة السياسية. 

تقدم مطلع العام الجاري ما يزيد عن 89 ألف طالب للاستفادة من صندوق دعم الطالب، وانطبقت الشروط على نحو 80 ألفًا، جرى حوالي 50 ألف طالب حسب المخصصات المتوفرة وأسس المفاضلة. بعد مطالبات ووقفات طلابية متفرقة أمام مبنى وزارة التعليم العالي، قررت الوزارة شباط الماضي شمول جميع الطلبة الذين تنطبق عليهم شروط الاستفادة من صندوق دعم الطالب على أن تأخذ عملية التوزيع بعين الاعتبار تطبيق نص التعليمات بأن يكون إجمالي عدد القروض 60% وإجمالي عدد المنح 40%. 

تشكّل عدالة التعليم الجامعي ملفًا كبيرًا، يبدأ تحقيقه من البحث عن خيارات مستدامة في زيادة ميزانية وزارة التعليم العالي وتكريس الكفاءة كمعيار للقبول ورفع جودة التعليم في الجامعات الحكومية، أمّا رفع الرسوم الجامعية وتقليص عدد المستفيدين من صندوق دعم الطالب فلن يكون إلّا جزءًا من السياسات الاقتصادية النيوليبرالية والتي تحرم الفقراء من حقهم في التعليم وتحملهم مسؤولية عقود من التخبط وغياب الاستراتيجيات التعليمية الفعالة. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى