مدونات الطلبة

كتب وروايات وأفلام: اخترنا لكم

جنان أبو يحيى

بحلول آخر شهر حزيران، ودّعت الجامعات الأردنيّة طلبتها في آخر يوم دراسي من الفصل الثاني لعام 2023، وأعلنت بدء العطلة التي تسبق الفصل الدراسي الصيفي. تشكّل العطلة، والتي تمتد لحوالي عشرين يومًا لطلبة الصيفي ولثلاثة أشهر لطلبة الفصل الأول القادم، وقتًا مستقطعًا من المهام والتسليمات الكثيرة، وفرصة للراحة وشحن الطاقة عن طريق الأنشطة الممتعة والمفيدة. في هذا المقال، نرشّح لكم قائمة قصيرة من الكتب والروايات والأفلام، التي يمكن للطلبة الاطلاع عليها أثناء الإجازة، والشعور بأنّها ذات صلة وفائدة بحياتهم الجامعية في الوقت ذاته.  

رواية الطنطورية: التاريخ بشكل قصصي 

“أتعرف يا غسّان ما مصير الحكايات التي لا نكتبها؟ إنّها تصبح ملكًا لأعدائنا”. رواية الطنطورية هي واحدة من الحكايات التي توثّق جزءًا كبيرًا من التاريخ الفلسطينيّ الممتد، بما فيه المجازر الصهيونية والنكبة واللجوء الفلسطيني والاجتياح الإسرائيلي للبنان. تعتمد الرواية، التي تسردها رقية، بشكل أساسيّ على التجربة الإنسانيّة التي تمر بها عائلتها في اللجوء من قرية الطنطورة في حيفا إلى لبنان، وتشكّل تفاصيلها نافذةً على الظروف القاسية التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين، في حياتهم وهويتهم وحقوقهم.

أهمّ ما يميّز هذه الرواية أنّ كاتبتها -رضوى عاشور- ذكرت الأحداث التاريخيّة بطريقة جاذبة وقريبة من القارئ، ولم تعكّر عليه صفو القراءة بمصطلحات جامدة أو بخطوط زمنيّة صعبة، بل استخدمت الكلام العاميّ في الحوارات، ممّا جعل القراءة يسيرة سلسة محفزّة للخيال، لكن هذا لا يمنعها من أن تكون قراءة ثقيلة على النفس لما فيها من آلام وأوجاع مرّ ويمرّ بها الشعب الفلسطينيّ. تأتي أهمية قراءة رواية كهذه من الحاجة الملحّة لأن يمتلك الطالب خلفيّة جيّدة عن تاريخ قضاياه الوطنية ومنطقته، وهذا لا يكتسبه فقط من قراءة أو دراسة التاريخ وحده، بل من الحالة الانسانية التي يقدمها له الأدب. 

رواية العمى: كيف تختبر الأزمات أخلاقنا؟ 

أثبتت جائحة كورونا، والتي غيّرت من شكل حياة طلبة المدارس والجامعات خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، أنّ الرادع الأخلاقي هو أبرز أشكال الرقابة على الطالب وتصرّفاته. في رواية العمى لجوزيه ساراماغو تجربة مشابهة لمجتمع يتعرّض لموجة من العمى الأبيض مجهول الأسباب، تعرض الرواية طريقة تعاطي السلطات الرسمية والمجتمع مع هذا الوباء، وتكشف جانبًا من جوانب هشاشة أخلاق البشر وقت الأزمات. “لا أعتقد أنّنا عُمينا، بل أعتقد أنّنا عميان، بشر عميان يستطيعون أن يروا لكنّهم لا يرون”، هكذا تلخّص بطلة الرواية تجربة العمى والجانب الوحشي من الطبيعة البشرية حين تعمّ الفوضى وتضطرب الأوضاع. 

قراءة هذه الرواية تمنح فرصة جيّدة للتفكير في دروس أخلاقيّة عدّة يمر بها الطلبة بشكل يومي في حياتهم الجامعية وتتقاطع مع جوهر حقوقهم، مثل العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص وأهمية التكافل الاجتماعي. تبيّن الرواية كيف أنّ الظروف الصعبة تدفع بالأفراد لتبرير مواقفهم السلبية بدلًا من الاستثمار في قوة المجتمع وتضامنه ومحاربة مظاهر الفساد. كما تبين أنّ المبادئ لا تتجزأ بحسب الوقت والظروف، إذ من السهل على الأفراد أن يكونوا عادلين عندما يمتلكون الموارد الكافية لتطبيق ذلك، لكن الأزمات هي من تظهر معدنهم الحقيقي. 

عزاءات الفلسفة: رحلة برفقة ستة فلاسفة

يتعرّف طلبة الجامعة الأردنية على الفلسفة بشكل أكاديميّ عن طريق مادّة “مقدمة في الفلسفة والتفكير الناقد” التي تُطرح كمتطلب إجباريّ، لكنها بدلًا من أن تشكّل بوابة لفهم هذا العلم وأثره على حياتنا اليومية، إلا أنّها لا تتجاوز كونها عبئًا دراسيًا يحاول الطالب إتمامه بأقل الأضرار الممكنة. يأخذنا كتاب “عزاءات الفلسفة” في رحلة برفقة ستّة من أشهر الفلاسفة، وهم سقراط وأبيقور وسينيكيا وشوبنهاور ومونتين ونيتشه، وكلّ فيلسوف يقدّم لنا وجهة نظره حول إحدى التحديات الإنسانية منها المصاعب والإحباط والعجز.

أسلوب الكتابة والترجمة لهذا الكتاب ممتازتان ممّا يزيد من متعة قراءته برغم المواضيع التي تبدو للوهلة الأولى ثقيلة. كما أنه يقدّم الفلسفة في قالب مجتمعي يسير يمكن لغير المطّلعين على الفلسفة قراءته. بالنسبة للطلبة، تنمي الفلسفة جملة من المهارات والقدرات مثل امتلاك الثقافة العلمية والتفكير المنطقي، وتمنحه منظورًا جديدًا من القدرة على التحليل والتركيب والنقد في قضاياه الشخصية أو المجتمعية خارج الأطر التقليدية والحلول المتوقعة.

المثقف والسلطة: من هو المثقف؟ 

يعتبر مفهوم الثقافة واحدًا من أكثر المفاهيم الشائكة، والتي نعجز أحيانًا عن تحديدها أو وضعها في قالب معيّن، والشباب من أكثر الفئات المعنيّة بهذا المفهوم وأكثرها تأثّرًا وتأثيرًا به. يتطرّق كتاب المثقف والسلطة لإدوارد سعيد لمفهوم المثقف، ويناقش مجموعة من التحدّيات والحالات التي من الممكن أن يواجهها، كالمنفى والضغط المجتمعيّ ومواجهة السّلطة والحاجة لرأس المال الذي يملأ الجيب لكنّه يكمّم الأفواه. 

قد يعتقد بعض الطلبة أنّ المثقف شخصية متعالية تتحدث بكلمات منمقة لا يفهمها الجميع، في حين يناقش هذا الكتاب أنّ المثقف الحقيقي هو الذي ينخرط بمجتمعه وينتمي لقضاياه ويدافع عن انتهاك الحقوق في كل مكان ويعبرّ عن صوت المظلومين بدون أن يصبح جزءًا من التنظير البعيد عن الواقع أو السلطة التي تحكم الناس بالقوة. مواضيع الكتاب مهمّة وتشخّص تحديات الثقافة في المنطقة العربية بأسلوب صريح، لكن قراءته ليست بتلك السّهولة نظرًا للترجمة الضعيفة في بعض الأجزاء.

The social dilemma: وثائقي عن إدمان مواقع التواصل الاجتماعي 

يعتبر الفراغ الدافع الأكبر وراء الكثير من السلوكيات السلبيّة، وأهمّها إدمان استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وفي العطلة يزيد إغراء هذه المواقع لقضاء وقت كبير عليها. في The social dilemma وهو فيلم وثائقيّ، تُعرض مجموعة من المقابلات مع أشخاص ذوو خبرة ممن يعملون أو عملوا سابقًا في شركات مواقع التواصل الاجتماعي. يتحدث الفيلم عن تصميم هذه المواقع الذي يهدف بشكل رئيسي إلى زيادة عدد المستخدمين والمدة التي يقضونها عليها وطبيعة المحتوى السطحي الذي يتم مشاركته من أجل تحقيق أكبر ربح ممكن لهذه الشركات. 

يتخلّل هذه المقابلات والأحاديث مشاهد دراميّة تشرح وتبيّن تأثير كلّ ما يقال في قصص تبدو شديدة الصلة بالواقع من حولنا. رغم أنّ وسائل التواصل الاجتماعي شكّلت مساحة شبابية للتعبير عن الرأي والوصول لشرائح مجتمعية أوسع، إلا أنّه يكشف خبايا كثيرة لا نعرفها أو نتجاهلها عن مواقع التواصل الاجتماعي، ويعرضها بطريقة جاذبة وواقعيّة تجعلنا ندرك أنّنا جزء من منظومة كبيرة هدفها ماديّ بحت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى