
قبل دخول مكتبة الجامعة الأردنيّة لأوّل مرّة، كانت صورتها تتجسّد في رأسي على أنّها مكان ساحر وضخم، كثير الممرات والكتب، والوجهة الأمثل للقراءة والدراسة وغيرها. وعندما زرتها فعليًّا، أخذتْ صورتها تصبح أكثر واقعيّة؛ مبنى كبير تصادفه على بُعد خطوات من دخول البوابة الرئيسية للجامعة، وواحد من أوضح معالمها، ونقطة الانطلاق الأقرب لعمادة شؤون الطلبة و”السيفوي” وبرج الساعة. لا يقلّ الازدحام خارجها عن الازدحام داخلها، فالدرجات الأمامية مكان جاذب للدراسة أو الانتظار أو تبادل الأحاديث أو شرب الشاي أو حتّى تصفّح الهاتف في حال تمكنتَ من الاتصال بإنترنت الجامعة. على يمين الدرجات، مقاعد خشبية تتمشى حولها القطط، أمّا الممر الطويل على الجهة اليسرى، فهو مُحاط بالأشجار التي تجذب الطلبة ممّن يرغبون بالتقاط الصّور والفيديوهات.
في الوضع الطبيعي، يمرّر الطلبة هوياتهم الجامعية على البوابات الإلكترونية لدخول المكتبة، بعد أن يتخلصوا من المشروبات والأطعمة التي يحملونها. وفور دخولهم، يرون الواجهة الزجاجية التي تعرض أحدث الكتب وصولًا. في الطابق الأرضي، توجد قاعة ابن خلدون وقاعة البخاري وهما قاعتان للمراجع، نُلقبهما -أنا وزملائي- مازحين بقاعتي: “الصّوت، الصّوت”، تعليقًا على الموظف الذي دائمًا ما يدعو الطلبة للصمت مُسخدمًا هاتين الكلمتين. يتواجد في الطابق نفسه إدارة المكتبة والديوان ومدراء الدوائر ودائرة المعلومات والدائرة الفنيّة، وهي مكاتب إدارية لا تشكّل بالعادة جزءًا من تجربة الطلبة، بالإضافة إلى القاعة الإلكترونية التي يرتادها طلبة الدراسات العليا لتحميل الكتب والمراجع والوصول لقواعد البيانات.
يُمكنك الوصول لطابق التسوية باستخدام طرق عدّة، ويضمّ هذا الطابق قاعة الدوريات المجلدة، ومركز إيداع الرسائل الجامعيّة، ومصنع التجليد والترميم، ومستودع للكتب، والمصليات والمرافق الصحية. تعتبر القاعة الحرّة المكان الأبرز في هذا الطابق والقاعة الوحيدة التي يُسمح فيها بالتحدّث، ألجأ لها في جلسات الدراسة الجماعيّة التي تحتاج لنقاش، أو حتّى جلسات النقاش البعيدة كلّ البعد عن الدراسة، وتكون مفيدة حين أحتاج أن أدرس أو أقرأ أو أحفظ بصوت مرتفع، بدون أن يعني ذلك إزعاج الطلبة من حولي أو مشاهدة مسلسلي المفضل بأعلى صوت. أمام هذه القاعة، يلجأ الطلبة لخدمات التصوير الورقي حيث يمكنهم طباعة الرسائل الجامعية وفصول الكتب بدون استعارتها وبتكلفة لا تتجاوز الخمسة قروش للصفحة الواحدة.
تحيط بك رسومات “الكاليجرافي” بينما تصعد من التسوية للطابق الأوّل، حيث توجد القاعات الإيداعيّة وهي القاعة الهاشمية وبيت المقدس والمجموعات الخاصة ومطبوعات الأمم المتحدة. تشكّل هذه القاعات مرجعًا لمصادر المعلومات التي لها أهمية خاصة وطنية وثقافية وتراثية وبعضها مقيّد الاستخدام بطلب خاص لندرتها. في الطابق نفسه، قاعة عمّان للندوات وقاعة الدراسات العليا وشعبة الأرشفة، لكن أشهرها هي القاعة الزجاجية التي يحجزها الطلبة لعقد فعالياتهم من مناقشات الكتب والمناظرات والمساجلات الشعرية، والزاوية الأمريكية الممولة من السفارة الأمريكية والتي دعا الطلبة لمقاطعتها عام 2019 لشبهاتٍ تطبيعية.
يحتوي ممر الطابق الأول على شاشات رقمية تتيح البحث عن الكتب المُراد استعارتها، عرفتُ عن وجودها وطريقة استعمالها بعد مضي ثلاثة أشهر على وجودي في الجامعة وبمساعدة زميلة في القسم، إلّا أنّها كانت معطّلة حينها. بعد ثلاثة أشهر أخرى، اكتشفت وجود رابط إلكتروني يمكنني استكشاف العناوين المتاحة من خلاله.
بحثتُ في إحدى المرّات عن كتاب “شرح المعلقات السبع” الذي احتاجه في دراستي للتخصص اللغة العربية، وعندما وجدته مُتاحًا للإعارة، سجّلت رقمه التسلسلي واستعنت بأحد الموظفين الذي سهل عليّ مهمّة البحث عن طريق تحديد الجهة التي يتواجد فيها. بعد ساعة من البحث وعندما كدتُ أفقد الأمل، وجدتُ الكتاب المنتظر واستعرتُه مُسرعةً إلى محاضرتي. رغم أنّني وجدتُ مُرادي، إلّا أنّ هذا لا يحدث دائمًا مع كلّ الطلبة، الذين لم يخبرهم أحد، لا شفويًا ولا حتى في دليل إرشادي، كيف يستخدمون المكتبة أو يبحثون في رفوفها بناءً على الأحرف والأرقام التسلسلية.
تشكّل المكتبة وجهتي المفضلة للقيام بأنشطة مختلفة، ويتصل وجودها بسلسلة ذكريات تجمعني فيها منذ زيارتي الأولى قبل أن أكون طالبة في الجامعة الأردنية. ولذلك، أستاءُ من قرارات الإغلاق المبكّر والممارسات السلبية على رأسها تخريب الممتلكات والكتب، وعدم المحافظة على النظافة، والحجز المطوّل للمقاعد. أحبّ المكتبة بكلّ أركانها وقاعاتها وطوابقها حتّى تلك التي أجهل ما يحدث فيها كالتوسعة الجديدة التي تجري في الطابق الثاني، ولا أعتبرها مجرّد مكان للدراسة فقط، بل مساحةً ثقافية تتيح للطلبة المطالعة والتفكير ولقاء الأصدقاء وعقد الفعاليات.