
على الإيميل وفي السابع من ابريل العام الماضي، وصلني ردٌّ يحمل صورتي ووصف “سفير”، إلى جانب شعار المؤسسة واسمها. هكذا أصبحتُ عضوةً في “تحالف من أجل الإنسانية” وأعلنتُ ذلك على حسابات التواصل الاجتماعي الخاصة بي، بناءً على طلب المنسقة من أجل استقطاب طلبة آخرين فاعلين، يشاركون في مؤتمر عالمي وجاهي يُعقد في حزيران 2022 بعد سلسلة من اللقاءات الافتراضية، بهدف تعزيز قيم السّلام والإنسانية بين سفراء المنظمة.
اجتمعتُ مع فريق الأردن المقدّر بحوالي أربعين شخصًا وبتنسيق المنظّمة في ثماني لقاءات افتراضية تعرّفنا فيها على بعضنا، طلبةً في الجامعات أو ناشطين/ات مجتمعيين/ات. كنتُ مهتمّةً بالمشاركة بعد أن عرفتُ عن التحالف عن طريق صديق على الانستغرام، رغبةً في تعزيز نشاطي الاجتماعي وتطوير مهارتي وتمثيل بلدي وجامعتي ونفسي. منذ البداية، شعرتُ بالريبة أوّلًا تجاه موقف مؤسس المنظّمة م.ع واستخدامه مصطلح “السلام” في سياقات مشبوهة يوازي فيها بين الأزمة الأوكرانية الروسية والصراع العربي الإسرائيلي بدون أيّ اعتبارات للسياق السياسي. وثانيًا تجاه التكتّم على الجهات التنسيقية ورفضهم تقديم أيّة تفاصيل حول اسم المؤسسة الأم وتأسيسها وترخيصها.
لم يكن ذلك شعوري وحدي، إذ شاركني بعض الزملاء هذا القلق. ذكرنا في الاجتماعات حاجتنا للاطلاع على تاريخ المؤسسة، ووعدتنا المنسقة أنّنا سنحصل على أجوبة لجميع أسئلتنا خلال وقت قصير. عندما أدركنا أنّهم يستغفلوننا، بدأنا بشكل شخصي في البحث عن اسم المؤسسة وشعارها ومواقفها، وقبل أن نتمكّن من ذلك، كانت قد وردتنا معلومات أهمّ توصّل لها أحد الزملاء. “شِكله هذا السلام اللي بدهم اياه”، قال أحد زملائي بعد أن أرسل لنا صورة مؤسس المنظمة حاملًا العلم الإسرائيلي في إحدى المؤتمرات.
في هذه اللحظة، “بطّل فارق عنا ترخيص المنظمة”، إذ أنّ التورّط التطبيع الأكاديمي هو أسوأ ما يمكن أن يحصل للأعضاء. بدأنا بالتحقق من الصورة والدول المشاركة في التحالف والتي لم تكن فلسطين واحدة منها، وهو ما بدا مثيرًا للشك. قررنا الانسحاب من التحالف دون العودة للمنسقة واخترتُ كتابة منشور على الفيسبوك قلتُ فيه: “أُعلن انسحابي من منظمة تحالف من أجل الإنسانية، هذه المنظمة لا تمثلني ولا يمثلني أيّ عمل تقوم به داخل الأردن أو خارجها وأبني أسباب انسحابي على أسباب تتعلّق باستغلال طاقاتنا كشباب لمصالح لا تتناسب مع مبادئي الشخصية ودعمها للاحتلال وهذا سبب يُغني عن ذكر أي سبب آخر”.
توالت بيانات انسحاب الطلبة من الجامعات الأردنية، والذين تجاوز عددهم العشرين، بما فيهم: تالا عودة، سارة الاسمر، مجد طنبوز، محمد النشاش، عبد السلام الزواهرة، سلطان أبو تايه، عدنان معتصم، مريم العويسي، مرام الزيود، لينا عماد، براءة الفرجات، يوسف الفلحات، تقى النوافلة، دان الشطناوي، هبه حماده، عمر الطحان، محمد الغزو، ريم العويسي، أحمد عياصرة.

وكذلك انسحب بعض الزملاء من الجامعات التونسية والجزائرية، وأثار ذلك موجة من التفاعل الإعلامي والشعبي الذي وثّقته المنصات الإخبارية وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي. توجّه إليّ أحد الزملاء بعد البيان قائلًا: “هالاشي رح يأثر عليكِ لقدام”، معتبرًا أنّ الانسحاب من التطبيع بصمت كان سيكون أفضل من الإعلان عنه وإثارة الجدل. ولم يزدني ذلك إلّا تصميمًا على تحديد وتوضيح مواقفي تجاه القضايا الوطنية التي لا تحتمل الحياد، واستكمال سيرة طلابية من رفض التطبيع الأكاديمي ومحاربته.
كان آخر هذه المحطات، انسحاب الجامعة الأردنية قبل يومين من تنظيم مؤتمر طبي تجميلي يشارك فيه محاضر صهيوني له أنشطة ضمن “جنود حفظ السلام” الصهيونية وبرعاية منظمات متورطة في دعمها للاحتلال الإسرائيلي بعد الضغط الذي مارسه الطلبة على إدارة الجامعة. رفضت الكتل الطلابية عام 2021 مواجهة طلبة جامعة الأميرة سمية لتكنولوجيا المعلومات لوفد صهيوني ضمن مسابقة للبرمجة، واستنكرت مشاركة نائب رئيس الجامعة الأردنية ومدير مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية زيد عيادات في مؤتمر تطبيعي عقد في البحرين.
انسحب الطلبة وأعضاء هيئة تدريس بالجامعة الأردنية عام 2022 من ندوة حول برنامج لمنح دراسية في تخصص الذكاء الاصطناعي من تنظيم جامعة محمد بن زايد الإماراتية وبالشراكة مع الجامعة الإسرائيلية في القدس المحتلة ومركز أبحاث وايزمان الإسرائيلي، وأعلنت القوى الطلابية في الجامعة الهاشمية الحكومية والجامعة الألمانية إلغاء ندوة مماثلة كان يفترض عقدها. في العام نفسه، انسحب طلاب مدرستي عمان الوطنية وابن رشد من مسابقة عالمية دون تردد، احتجاجًا على محاولة القائمين عليها الدعاية لكيان الاحتلال والترويج له، ورفض أستاذ علم الاجتماع في جامعة اليرموك عبد الخالق الختاتنة “التعاون مع الأكاديميين الصهاينة المحتلين من جامعة حيفا في تأليف كتب مشتركة معهم”، بحسب صفحته على الفيسبوك.
وقبل ذلك بكثير، رفض الطلبة الفعاليات المشبوهة للزاوية الأمريكية التي تمولها السفارة الأمريكية في مكتبة الجامعة الأردنية منذ افتتاح الزاوية عام 2018، وأغلق اتحاد طلبة الجامعة الأردنية عام 2012 مجمع القاعات الطبية احتجاجًا على استضافة أساتذة إسرائيليين في مؤتمر طبي، بما فيهم جدعون انهولت من جامعة بن غوريون، وأطلقت حركة الأردن تقاطع حملة توعية ومخيّمًا صيفيًا يسعى إلى تعريف الطلبة في الصفوف الإعدادية والثانوية (المدارس الخاصة والحكومية والأونروا) بالقضية الفلسطينية وثقافة المقاطعة.
ولذلك، فإنّ الانسحاب من تحالف الإنسانية هو جزء من تاريخ الحركة الطلابية الحافل برفض التطبيع الأكاديمي وممارسات الصهاينة، والتوعية بالتاريخ الفلسطيني والمشاركة السياسية الفاعلة في الاشتباك مع الاحتلال، على رأسه المواجهة العسكرية. يُعرّف التطبيع الأكاديمي على أنّه التعاون والتواصل الأكاديمي مع المؤسسات والأفراد والجهات الصهيونية سواء أكانت إسرائيلية أو لا، ويأخذ أشكالًا متعدّدة عن طريق الدراسة الجامعية والمؤتمرات التطبيعية والتبادل الأكاديمي والنشر المشترك للأبحاث وحتى اللقاءات الافتراضية المنعقدة عبر النت التي تتسلل لنا عبر تقنيات رقمية حديثة.
يعدّ التطبيع الأكاديمي أحد أخطر أشكال التطبيع إذ يتعامل بحيادية مع الجامعات الإسرائيلية التي تبرر استعمار فلسطين وتشرعن التطهير العرقي للفلسطينيين، ويعزز التواصل مع الأكاديميين الإسرائيليين الذين يخدمون في جيش الاحتلال ويروجون أجندته. أمّا المقاطعة الأكاديمية فهي أوّل خطوة لإنهاء التواطؤ الأكاديمي في الجرائم والانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الفلسطينيين، وإضافة بصمة في سيرة ممتدة لمجالس الطلبة والنقابات ومراكز الأبحاث الذي رأت الحق ولم تتجاهله. كل الطلاب والطالبات الذين انسحبوا من التحالف المشبوه، يعرفوا أنّ العِلم الذي لا يرقى بنا أخلاقيًا ليس علمًا، وانتزعوا بجدارة لقب “سفراء الانسانية” لأنّهم قبل أيّ شيء قاطعوا عدو الإنسانية، الاحتلال الإسرائيلي.