
تشرعُ الجامعات أبوابها بدايةَ كلّ عام دراسيّ جديد، لتستقبلَ مجموعةً من الطلبة الناجحين في الثانويّة العامّة في مختلف التخصّصات. ولأنّ النجاح في الثانويّة العامّة مرحلة مختلفة عن دخول الجامعة، كما لا تؤهّل المدارس الطلبة سواء عبر مناهجها أو نشاطاتها للبيئة الجامعيّة، لذا، فإنّ الوجهةَ الأولى للطالب “السنفور” هي المرشدون والمرشدات وفعاليّات الإرشاد الطلابيّة المختلفة.
جاءت تسمية السنافر من برنامج للرسوم المتحركة فيه شخصيّات خياليّة صغيرة الحجم زرقاء اللون، وتعيش في الغابة مع شرشبيل الشرير الذي يحاول الإمساك بها دون جدوى. في السياق الجامعيّ، السنافر هم الطلبة المستجدّون، وشرشبيل يعبّر عن الطلبة الأقدم الذين يجعلون من تجربة السنافر مادّة فكاهيّة.
تكمن أهميّة الإرشاد في المقام الأوّل بالتوجيه المبدئيّ للطلبةٍ الذين لا تتعدّى معرفتهم عن الجامعة في الغالب مقاطع “الريلز” في الانستجرام و”فلوقات” اليوتيوب، وما يسمعونه عن تجارب الأقارب، أو يقرؤونه عن تخصصّاتهم في المواقع. وهذه التوجيهات تنقلهم من العالم الافتراضيّ والأقاويل إلى العالم الواقعيّ للجامعة، وتضعُ نصبَ أعينهم حجم المسؤوليّة والجهد المطلوب في أيّ تخصّصٍ ينشدون، وجُملةً ممّا يحتاجون معرفته من مصطلحات ومعلومات حول الجامعة ومرافقها.
ولا تقتصر فعاليّات الإرشاد على نمط معيّن، فمنها فعاليّات إلكترونيّة، وأخرى وجاهيّة تكونُ بعد تسجيل الطلبة وبدء العام الدراسيّ أو قبله بفترة. إذ تفتقر إجراءات التسجيل في الجامعة في بعض الأحيان إلى توضيحاتٍ متسلسلة لعدّة إجراءات، خصوصًا تلك المتعلّقة بالتقديم للمنح والقروض أو الانتفاع من المكارم أو التعامل مع مواقع الجامعة. من يحالفه الحظّ يكون عنده أخ أكبر أو إحدى الأقارب ممّن له تجربة مشابهة فيعينُه على ما سبق، ومن لا يفعل، يضطرّ للاستعانة بـ”مرشد” والدخول لعدّة مجموعات باحثًا عن إجابات أسئلته.
تصبّ فعاليات الإرشاد بشكل أساسيّ في توجيه الطلبة ومساعدتهم في إجراءات التسجيل، والدخول للمواقع الجامعيّة والتطبيقات اللازمة، وتنسيق الجدول الدراسيّ الأوّل، إلى جانب توجيهاتٍ نظريّة تكون في الغالب على شكل منشوراتٍ ومقاطع فيديو، وتتمحور حول توضيحاتٍ عن مواد التخصّصات وطبيعتها ومناسبتها لكلّ سنة، أو إجابات حول أبرز الأسئلة المرتبطة بالرسوم، وإمكانية التقسيط، وإجراءات تقديم الاعتراض على التخصصّات التي يُقبَل بها الطلبة. بالإضافة إلى تجهيزهم لامتحانات المستوى وتزويدهم بروابط شروحاتٍ وأسئلة.
يندرُ أن تتضمّنَ فعاليّات الإرشاد توعيةَ الطلبة بحقوقهم وواجباتهم وتعريفهم بالإجراءات المُتّبعة عند مواجهة عدّة مشكلات مثل الاعتراض على علامة أو فتح شُعب أو تقديم الشكوى أو التعامل مع الاستدعاءات وغيرها. ومن المؤسف أن يتخرّج بعض الطلبة وهم لا يعرفون الصلاحيات التي كانت متاحة لهم بفضل الإيميل الجامعيّ مثلًا، أو المواقع المعرفيّة التي يحقّ لهم الوصول لما فيها، وحتّى رصيد الطباعة الفصليّ، والجهات الجامعيّة التي تقدّم ورشاتٍ ودوراتٍ لهم.
تنظّم الكُتل الطلابيّة فعاليّات مشابهة أو “بوثات” إرشاديّة للترحيب بالطلبة وكسر رهبة الجامعة وتبادل الكتب من ناحية، ومن ناحية أخرى، يشكّل الإرشاد مدخلاً لاستقطابهم إلى تلك الكُتل. تعتمدُ الكُتل على فعاليّات الإرشاد في زيادة كوادرها والمنضمّين لها، إذ أنّ هذه الفعاليّات هي الواجهة الأولى التي يراها الطالب في بداية مسيرته الجامعيّة، في حال لم تستمر الكتل في استقطاب طلبة جدد في نفس الوقت الذي يتخرّج به أعضاؤها، فإنّ أداء الكتلة ونشاطها وحضورها بين الطلبة يتراجع مع الوقت.
رغم الأهميّة التي ينطوي عليها الإرشاد، إلّا أنّها في أحيانٍ كثيرة تُسهِم في منحِ الطلبة نوعًا من الانصياع الأعمى وراء معلوماتٍ ونصائحَ مُقدَّمة وفعاليّات مُقامَة. لا تخلو كلّ كليّة من مجموعة من الطلبة الذين خاضوا في سنتهم الدراسيّة الأولى تجارب سيّئة في مواد دراسيّة بسبب نصائح قرؤوها على مواقع التواصل الاجتماعيّ أو قُدّمت لهم مباشرةً، بالإضافة إلى آخرين ضيّعوا على أنفسهم منافعَ وتجارب قيّمة بسبب ترهيبٍ سمعوه جعلهم يتفادون موادًا ودكاترة وأنشطة معيّنة. وحتّى في ما بعد، قد يكتشف بعض الطلبة أنّ الكتلة التي قرّروا الانضمام لها إثر فعاليّات الإرشاد لا تناسبهم ولا تنسجم مع قيمهم وشخصيّاتهم.
ليس من المعقول أن يتجنّب الطالب المستجدّ فعاليّات الإرشاد تمامًا، لكنّه من حقّه أن يستفسرَ أكثر عن المعلومات التي يسمعها والأنشطة التي يشارك بها، ويدرك تمام الإدراك أنّ لكلّ طالب جامعيّ تفضيلاته وتجربته الخاصّة، وليس عليه أن يكون نسخةً طبق الأصل عن الطلبة الذين سبقوه، ويلجأ دومًا للتحقّق وراء كلّ ما يقرأ ويسمع. ولا ضيرَ طبعًا في خروج الطلبة بمتعة وطاقة إثر الفعاليات الوجاهيّة التي تُقام أو الجولات المعقودة في أنحاء الجامعة، إلّا أنّ ما يحتاجونه حقًّا في مسيرتهم الجامعيّة أوسع من ذلك بكثير.
إن كانت حياة الطالب المستجدّ تتمحور في بدايتها حول ما يُقدَّم له، فإنّ القيمة الحقيقيّة التي تشكّل جوهر تجربة الطالب الجامعيّ تكمن في ما يقدّمه هو، ويتعلّمه بنفسه، ويكوّن من خلاله آراءه الخاصّة به.