
“اهتف اهتف علّي الصوت، صوت الطالب ما بموت”، صدحت حناجر الطلبة من قلب الجامعة الأردنية في مسيرةٍ حاشدة دعا لها الملتقى الطلابي لدعم المقاومة وشارك فيها مئات الطلبة في السابع عشر من تشرين الأول الماضي. ولأنّ الحركة الطلابية جزءٌ أصيلٌ من الشارع الأردني، فهو نبضه الأساسي الحيّ، ومرآته الواضحة، وأحد المحرّكات الكبرى في هذا الوطن، شارك الطلبةُ أفرادًا وجماعات في إرساء موقفٍ يطالبُ بوقفِ العدوان الإسرائيلي على غزة، ويرفض التواطؤ والتخاذل العالمي أمام الإبادة الجماعية، بما فيه الاتفاقيات والعلاقات الدبلوماسية مع الكيان المحتل.
في خضم هذا المشهد، برز على السطح “نظام تأديب الطلبة” كإحدى المشكلات التي واجهتها التحرّكات الطلابية، ووقفت عائقًا أمام حريتهم وفعاليتهم. لطالما وُصف هذا النظام من الحقوقيين والطلبة بوصف أداة وصاية، بدءًا من تسميته التي تفترض حاجة الطلبة للتأديب، وصولاً لممارسته ملاحقة الطلبة كشبح بينما يمارسون حقوقهم الأصيلة ودورهم الجاد. “إنّ أنظمة التأديب المعمول بها في الجامعات الأردنية صُممت لقمع العمل الطلابي، كما لم تضع سلمًا منطقيًا للعقوبة، وتركت الأمر لتقديرات اللجنة ولرئيس الجامعة، إضافة إلى أنّ آلية تشكيل اللجان لا تضمن حيادها”، بحسب تقرير سابق.
يعارض هذا النظام جوهر مواد الدستور الأردني وتحديدًا المتعلّقة بحرية التعبير عن الرأي والتجمع. تستند عمادات شؤون الطلبة في الجامعات لهذا القانون كمرجعية لملاحقة الطلبة، حيث قوبلت العديد من الفعاليات بتحويل منظميها إلى لجان تحقيق تزداد كثافتها في المحطات المفصلية التي ينشط بها الشارع الطلابي في التعبير عن موقفه. في ضوء ذلك، يقدّم هذا المقال مجموعةً من التوصيات التي يمكن للطلبة اتباعها والاستفادة منها في حال تمّ تحويلهم للجنة تحقيق*.
التبليغ باللجنة: سيتواصل معك أحد موظفي العمادة غالبًا عبر الهاتف ليدعوك لحضور لجنة تحقيق، احرص على معرفة اسم المتصل ومنصبه وموضوع اللجنة والتهمة وهوية محرّك الشكوى، حيث رصدت الجهات الطلابية استقبال بعض الطلبة لمكالمات استدعاء من جهات أمنية خارج الجامعة. لكن الأهم أن تطلب الموظف استدعائك بشكل رسمي عن طريق الإعلان في الكلية عبر منشور يُعلَّق على أحد أبوابها. يضمن لك القانون حقك في التبليغ العلني، ما يعني أنّ جميع إجراءات اللجنة قابلة للمساءلة. ما بعد الإعلان عن لجنة التحقيق، في حال كان موعد الجلسة غير مناسب (يتعارض مع محاضرة أو امتحان، أو لظرفٍ صحيٍّ وغيره) اطلب تأجيل الجلسة عند تبليغك بها، ووضّح عذرك وتأكّد من قبوله.
الاستعداد: ابحث على الانترنت عن نسخة نظام تأديب الطلبة في جامعتك واحرص على قراءتها قبل الذهاب للجنة حتى تكون على معرفة بالمجريات والتفصيلات القانونية. لا تتقمّص في داخلك دور المذنب، لأنّ عملية التعبير عن الرأي حقٌّ مكفول، والتعبير عن موقف حقوقي أو وطني هو واجبٌ إنساني وشرف، لا تجعل الخوف يسيطر عليك لأنّ اللجنة بحد ذاتها غير مخيفة، لكن ترهيبك قد يكون الهدف منها. إذا شعرت أنّك بحاجة لاستشارة قانونية تواصل مع الجهات الحقوقية الطلابية* التي ترشد الطلبة في مسار لجان التحقيق، وقد يزودك بعضها بأحد طلبة الحقوق المتدربين إن تطلّب الأمر ذلك. إن كنت جزءًا من تنظيم طلابي مثل الكتل والأندية، أخبر أحد زملائك بلجنة التحقيق، لأنّه من المحتمل أن يترافق استدعاؤك مع استدعاء طلبة آخرين في قضايا متشابهة.
حضور الجلسة: تأكد من أنّ عدد أعضاء لجنة التحقيق ضمن العدد القانوني، والذي يبلغ ثلاثة أعضاء على الأقل في أغلب الجامعات، وفي حال مخالفة ذلك، اطلب تدوين رفضك استكمال إجراءات التحقيق لعدم استكمال اللجنة العدد القانوني في المحضر. استمع للشكوى الموجهة إليك بإنصات، واطلب تلاوتها عليك في حال لم تقم اللجنة بذلك من تلقاء نفسها. إذا تم توجيه تهمة أو سؤال يتضمن فعلًا لم ترتكبه، ارفضه ووضّح عدم ارتكابك للفعل وأصرّ على ذلك، حتى وإن تسبّب ذلك بإطالة ساعات التحقيق، وتذكّر أنّ إقرارك بما لم تفعله يعني استحقاقك للعقوبة قانونيًّا. في حال شعرت بوعكةٍ صحية أو بالتعب والإرهاق بشكل مفاجئ خلال انعقاد الجلسة، اطلب تأجيلها وعقد جلسة ثانية في وقت آخر. لا يحق لأي أحد من أعضاء اللجنة إجبارك على حضور جلسة لست مستعدًا كفاية جسديًا ونفسيًا لحضورها.
أسلوب التعامل: لا تتقبّل أي إساءةٍ أو انتقاصٍ من كرامتك خلال عملية التحقيق، بما يتضمّن الصراخ أو التحقير أو مقاطعة حديثك أو حرمانك من تقديم حجتك الدفاعية، أوالتحقيق معك واقفًا، أو إسكاتك بحجة أنّك لا تفهم في القانون. أبدِ رفضك الواضح والقاطع لأي عملية تخويفٍ خلال التحقيق وإن حصل انتهاك ما، احرص على أن تذكره كجزء من المحضر. تكلّم مع أعضاء اللجنة بتهذيب وثقة وإن خالفتهم الرأي، ولا تجعل شعور الغضب أو الاستفزاز يخرجك إلى حالة من الإساءة إلى أعضاء اللجنة الموجودين، التزامًا منك بالأخلاقيات العامة أولًا، وكي لا تُجر إلى تهمٍ أخرى ثانيًا. بالإضافة لذلك، اقتصد في الكلام، وخذ وقتك مليًّا قبل الإجابة عن أي سؤال، ولا تشعر أنّك في موضع التبرير المستفيض أو تلطيف الجو عبر المزاح، لا تتوسّع في الإجابة خارج حدود السؤال، وارفض الوشاية بزملائك حتى لو كان ذلك يعني إعفائك من العقوبة، واطلب أدلة أو شهادات على أي تهم أو حجج قد توجَّه لك.
نهاية اللجنة: ستُعِد اللجنة ورقة بالإفادات وسيُطلَبُ منك التوقيع على إفادتك، خذ وقتك الكافي لقراءتها جيّدًا وبتمعّن ولا تقبل التوقيع عليها إن تضمّنت شيئًا لم تقله، أو فعلًا لم تفعله، واطلب تغييره. إن غيّرت اللجنة الإفادة، اطلب رؤيتها مرة ثانية وإن وجدت أنّها لا تنسجم مع قولك أو فعلك، فاطلب تغييره مرة أخرى. بعد انتهاء جلسات التحقيق تابع مع العمادة صدور القرار من عدمه باستمرار، لكي تتمكّن من الاستفادة من حقوقك في الاعتراض.
صدور القرار: تذكّر أنّه لا يحقّ للجامعة تطبيق أي سياسات عقابية عليك قبل صدور العقوبة بشكل رسمي، كحرمانك من التسجيل الإلكتروني أو حرمانك من تقديم الامتحانات أو سحب بطاقتك الجامعية. في حال صدور عقوبة بحقك وكانت العقوبة لا تتناسب مع التهمة أو ينسب لك الحكم تهمًا لم تقم بها، يمكنك طلب الاستئناف على بعض العقوبات خلال المدة القانونية. وفي حال لم يُجدِ الاستئناف نفعًا، بإمكانك تقديم شكوى لرئاسة جامعتك أو اللجوء إلى المحاكم الإدارية. وإذا شعرت بأنّ اللجنة قد تخللها أية انتهاكات حقوقية مثل تهديدات مبطنة عبر الهاتف أو ضغوطات للاعتراف بتهم لم تقم بها، بلّغ عن هذه الانتهاكات للجهات الطلابية المعنية.
إنّ إدراكك لحقوقك هو أول خطوةٍ لحماية نفسك حتى وإن كانت الأطر القانونية المعمول بها في الجامعات قمعية بحد ذاتها. كثيرًا ما تفضي لجان التحقيق لبراءة الطلبة وعدم تحملهم مسؤولية التهم الموجهة إليهم، وكثيرًا ما تخلق بعض العقوبات الجامعية طلبة أكثر وعيًا بحقوقهم وتمسكًّا بآرائهم ومشاركتهم السياسية.
الهوامش
- لا يقدّم هذا المقال سيناريو واحد لكيفية سير لجان التحقيق، لأنّ كل لجنة لها خصوصية مختلفة تحكمها أعضاء اللجنة والطالب والتهمة الموجهة له.
- فريق حقوق الإنسان في الجامعة الأردنية هو أحد الأفرقة التي تقدم للطلبة إستشارات قانونية وتتابع معهم تعرضهم للجان التحقيق فيما يتعلق بحقوقهم الجامعية وحريتهم في التعبير عن الرأي والمشاركة السياسية.