مدونات الطلبة

قصف مدارس وجامعات غزة: عن استهداف الاحتلال للمنظومة التعليمية

علي نصّار

قصف الاحتلال الإسرائيلي للجامعة الإسلامية في غزة، عام 2014

عدوانٌ واستهدافٌ جديد لمحطات صقل وتنشئة الأجيال القادمة في غزة، يأتي قصف الاحتلال الصهيوني للمؤسسات التعليمية دليلًا على سياسة العقاب الجماعي التي يتبعها في اعتداءاته على القطاع، وتأكيد على الدور الكبير الذي تلعبه هذه المنشآت في خلق جيل واعٍ ناضج قادر على حمل قضيته والاستمرار بالدفاع عنها، أكثر من مليون طالب في مدارس وجامعات غزة تأثّروا بقرار تعليق الدراسة بسبب الحرب. وحتّى بعدها، ستظل التبعات على الحركة التعليمية ماثلة في تدمير المنشآت واستهداف بنيتها التحتية، لكن الأسوأ هو أنّ الطلبة سيُفجعون باستشهاد زملائهم الذين كانوا يشاركونهم المحاضرات والطريق والأحلام. 

يحتوي قطاع غزة على ست جامعات تقدّم الخدمات التعليمية لما يقارب 100 ألف طالب، أقدمها الجامعة الإسلامية التي تأسست عام 1978، أمّا أكبرها من ناحية عدد الطلاب فهي جامعة الأقصى التي يوجد على مقاعدها 28 ألف طالب حاليًا. تتنوع العقبات التي يواجهها قطاع التعليم في غزة منذ بدء الحصار قبل 17 سنة، يأتي في مقدمتها عدم قدرة المؤسسات التعليمية على توفير الطاقة الاستيعابية اللازمة لتلبية احتياجات السكّان في القطاع الذي يضم 2.3 مليون مواطن. 

تواجه مؤسسات التعليم العالي من كليات وجامعات في غزة مصاعب كبيرة، كعدم إمكانية استحداث وتجهيز مبانٍ كافية تتناسب مع عدد الطلاب بسبب صعوبة توفير ما تحتاجه هذه المباني من أدواتٍ وأجهزة تعليمية تجعلها قادرة على مواكبة التطورات والتحديثات العلمية لأسباب تتعلق بالحصار وما يسبّبه من تقييد إدخال الأجهزة وارتفاع التكاليف والمدة الطويلة التي تستغرقها البضائع للدخول. عدا عن الاستهداف المتكرّر الذي يخلّف أضرارًا كبيرة في البنى التحتية، ويعرقل عودة العملية التعليمية إلى شكلها الطبيعي بسبب عمليات إعادة الإعمار.

مع الحرب الإسرائيلية على غزة منذ السابع من تشرين الأول، تضررت حتّى الآن ما يزيد عن 160 مدرسة، 45 منها خرجت عن الخدمة، كما تعرضت الجامعة الإسلامية لقصفٍ عنيف أدى لتدمير عددٍ من مبانيها بشكلٍ كلّي شملت مبنى كلية تكنولوجيا المعلومات، ومبنى عمادة خدمة المجتمع والتعليم المستمر، ومبنى كلية العلوم، بينما تعرضت باقي المباني إلى أضرارٍ جزئية. هذا الاستهداف للمنشآت التعليمية -الذي يمثّل خرقًا للقانون الدولي الإنساني الذي ينص على حماية الممتلكات الثقافية أثناء الحروب- غير جديد، إذ هناك تاريخ طويل من الاستهداف الإسرائيلي المباشر للجامعات والمدارس.

في حرب 2009، ارتكب جيش الاحتلال مجزرة مدرسة الفاخورة التابعة للأونروا، والتي كانت قد تحولت إلى مركز إيواءٍ للنازحين، حيث تم استخدام قنابل الفسفور الأبيض المحرم دوليًا إلى جانب الصواريخ فيها وراح ضحيتها 43 شهيدًا، بشكل إجمالي بلغ عدد الشهداء من طلبة المدارس 220 شهيدا بالإضافة إلى 7 طلاب جامعيين و 12 معلما، في حين تعرضت 226 مدرسة للتدمير الكلّي أو الجزئي، بالإضافة إلى الاعتداء على أربع جامعات وهي: الجامعة الإسلامية، والكلية الجامعية للعلوم التطبيقية والمهنية، وجامعة فلسطين وجامعة القدس المفتوحة ما أدّى إلى أضرار مادية تجاوز مجموع قيمتها ال15 مليون دولار في الجامعات وحدها.

في حرب 2012، بلغ عدد المدارس المتضررة 97 مدرسة، ارتفع العدد إلى 226 مدرسة دُمّرت بشكل كلّي أو جزئي خلال حرب 2014 التي امتدّت لـ 51 يومًا. كانت هذه الحرب الأعنف في استهداف التعليم في غزة حيث إنّ 50% من الشهداء الذين ارتقوا خلاله هم من الأطفال وطلبة المدارس، وطال القصف ست جامعات وهي: الجامعة الإسلامية، وجامعة الأزهر، والكلية الجامعية للعلوم التطبيقية، وكلية مجتمع جامعة الأقصى، وكلية فلسطين التقنية، والكلية الجامعية للعلوم والتكنولوجيا. أعاد الاحتلال الإسرائيلي قصف مدرسة الفاخورة في الرابع من نوفمبر الجاري، والتي كانت تأوي آلاف النازحين في شمال قطاع غزة، ممّا أدّى إلى استشهاد وإصابة العشرات. استهدف القصف النازحين بما فيهم الأطفال في ساحات المدرسة، كما أظهرت المقاطع آثار القصف وبقع الدماء داخل الصفوف الدراسية. 

يستهدف الاحتلال المؤسسات التعليمية لإدراكه الآثار التدميرية للقصف؛ إذ يعاني الطلبة في محاولة العودة إلى استكمال حياتهم بشكل طبيعي بعد فقدان أفراد أسرهم أو زملاء الدراسة أو معلميهم الذين كانوا جزءًا لا يتجزأ من حياتهم. حسب إحصائية صادرة عن اليونيسيف، هناك نحو 250 ألف طفلٍ من أطفال غزة يعانون من مشكلاتٍ نفسية، وبحاجة للمساعدة والدعم. وتشير دراسة أخرى أجريت عام 2016 على 251 طفلًا تتراوح أعمارهم ما بين 6 إلى 16 عامًا أن ما نسبته 59% من مجتمع الدراسة يعانون من الأعراض السريرية لاضطراب ما بعد الصدمة، و22% منهم يعانون من اضطرابات القلق، و51% منهم من اضطراب الاكتئاب.

يشكّل المجتمع الجامعي مناخًا خصبًا لتشكيل وعي الشباب السياسي واتضاح رؤيته وتكوين أبرز مبادئه، وهو ما ذكره الشهيد باسل الأعرج في وصاياه حول الثقافة والاشتباك ودور التعليم. تاريخيًا، شكّلت الجامعات الفلسطينية رافدًا رئيسيًا لمختلف فصائل المقاومة الفلسطينية بالشباب أمثال الشهيد يحيى عياش، أحد أبرز قادة كتائب القسام، الذي بدأ مشواره أثناء دراسته في جامعة بيرزيت، والأسير الحالي مروان البرغوثي، أحد قادة حركة فتح خلال الانتفاضة الثانية، الذي ترأس مجلس طلبة جامعة بيرزيت خلال دراسته فيها. خرّجت جامعات غزة -الجامعة الإسلامية على وجه التحديد- أبرز قادة حماس، على رأسهم القائد العسكري لكتائب القسام محمد الضيف، ورئيس المجلس السياسي للحركة يحيى السنوار. 

قال رئيس وزراء الاحتلال الأسبق آرئيل شارون عام 2004 إنّ القيادة الفلسطينية الجديدة عليها إيقاف التحريض عبر وسائل الإعلام الفلسطينية وتغيير اتجاهات التعليم، فيما يشير لأهمية المؤسسات التعليمية والحركات الطلابية التي تحتضنها في تخريج جيل واعٍ ومتمسّك بقضاياه ومبادئه. تُثبت سيرة طويلة من استهداف الاحتلال الإسرائيلي لمدارس غزة وجامعاتها عن وحشيته اللامحدودة في قتل الفلسطينيين، وغياب المساءلة الدولية الحقيقية لأفعاله، لكنّها في المقابل، تحرّض على مزيد من التنظيم والاشتباك داخل هذه المساحات التعليمية التحررية. 

زر الذهاب إلى الأعلى