
نظّم الطلبة في أكثر من عشر جامعات أردنية خلال أقل من أسبوع وقفات تضامنية نصرةً للمسجد الأقصى المبارك في ظل ما يتعرض له المسجد من اعتداءات صهيونية هَمَجيّة. لا ينفصل هذا الموقف الطلابي عن تاريخ الحركة الطلابية الأردنية في الدفاع عن القضية الفلسطينية، كما لا تنفصل مؤازرة المقاومة والمرابطين/ات عن الاحتجاج على الاتفاقيات الأردنية مع الاحتلال الإسرائيلي، وصلاحيات الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس. منذ منع عقد انتخابات اتحاد الطلبة في الجامعات على خلفية جائحة كورونا، كانت هذه الوقفات أول تحرّك موحّد يعيد للشارع الطلابي الزخم والسقف والروح النضالية، إلّا أنّ تعامل عمادات شؤون الطلبة مع المشهد كان متفاوتًا وقمعيًا في بعض حالاته.
أعلن الطلبة مباشرةً عن عقد وقفاتهم في كلّ من الأردنية والهاشمية وآل البيت وكلية الهندسة التكنولوجية/ البوليتكنك والزيتونة الخاصة، إيمانًا بصلاحيات وحرية الطلبة في تنظيم “احتجاجهم” وتجنبًا للرقابة الاستباقية حول مكان ووقت ومحتوى الوقفة أو حتى محاولة إلغائها. يشكّل هذا الإعلان إشعارًا للعمادة بعقد الوقفة ولا ينفي أنّ بعض موظفيها استجوبوا بعض ممثلي الكتل الطلابية بشكل غير رسمي بعد انتهاء الوقفة: “ليش ما خبرتنا؟”، “كيف بترفعوا العلم الفلسطيني؟”، “كان بدنا نشارك بكلمة”. في حين حصل الطلبة على موافقة العمادة في كلّ من جامعة اليرموك والعلوم والتكنولوجيا والزرقاء الخاصة وكلية الأميرة عالية وجامعة إربد الأهلية وجامعة الحسين بن طلال.
لم تكفل الموافقة الرسمية التي حصل عليها الطلبة في جامعتي العلوم والتكنولوجيا والحسين بن طلال ولا حتى حضور ممثلي العمادات ومشاركتهم في إلقاء الكلمات أن تسير الوقفة التضامنية بدون قمع. بعد انتهاء كلمة نائب العميد في جامعة الحسين، توجّه الأمن الجامعي لسحب اللافتات من أيدي الطلبة والحجز على بعض هويات الطلبة المشاركين، بحجّة انتهاء الوقت المخصّص للوقفة. قال عميد شؤون الطلبة في الجامعة الدكتور أحمد المحتسب في مداخلة إذاعية أنّ تصرّف الأمن الجامعي جاء للمحافظة على سير العملية التعليمية وأنّ سحب اللافتات -البالغ عددها عشرة- جاء لتفقّد محتواها بعد انتهاء الوقفة، داعيًا الطلبة لتحسين خطهم وكتابة اللافتات بشكل أجمل.
لم تأبه عمادة جامعة الحسين بـ “سير العملية التعليمية” عندما استضافت فعاليات موسيقى القوات المسلحة الأردنية كجزء من مهرجان اقرأ، ولا تتيح التعليمات والأنظمة الجامعية للعمادات منع الطلبة من إلقاء الكلمات أو سحب الهويات أو اللافتات أو ممارسة الوصاية حتى على نوع وشكل الخط الذي يكتب به الطلبة لافتاتهم. لا تعكس هذه التصرفات والتي عبّر عنها العميد في المقابلة قائلًا: “سمحنا للطلبة.. أتحنا المجال للطلبة.. شاركنا الطلبة.. عبّر الطلبة عن مشاعرهم” إلّا العقلية الأمنية التي تفترض أنّ إدارة الطلبة لوقفتهم وصناعتهم للقرار قد تؤدي “لاحتكاكات” بينما لا مشكلة بـ “الاحتكاكات” التي تسبب بها الأمن الجامعي.
تكرّر مشهد مُشابه لإعاقة استمرار الوقفة في جامعة العلوم والتكنولوجيا إذ قام أحد موظفي عمادة شؤون الطلبة بالاعتداء على الطالب عدنان جميل أمام الجموع وإبعاده عن الهتاف رفضًا لاتفاقية وادي عربة التطبيعية ووجود السفارة الإسرائيلية على أرض الأردن. لم تقدّم العمادة أي توضيح رغم أنّ موقف الطالب منسجم مع قرار مجلس النواب الذي صوّت لطرد السفير الإسرائيلي، ورغم أنّ وصف عميد شؤون الطلبة “القدس الشرقية” عاصمةً لفلسطين غير منسجم مع الإرادة الوطنية والتاريخية للشعب الأردني. لا تسيء هذه الممارسات للدور الطلابي القادر على فرض نفسه، بل للتوجّه الحكومي غير القادر على “تحمّل” هتاف تقليدي.
تحمل العمادات حساسية مفرطة حول مواقف الطلبة الوطنية ودفاعهم عن القضية الفلسطينية، وتبادر لأية إجراءات من شأنها السيطرة على الفعالية في حال لم تفلح بإلغائها. عام 2021، هدد عميد شؤون الطلبة في جامعة الزيتونة، خلدون الحباشنة، الطلبة بالفصل خلال مشاركتهم في وقفة احتجاجية ضد اتفاقية الطاقة مقابل الماء. عام 2022، أحالت الجامعة الطالب ورد علان للتحقيق على خلفية مشاركته في وقفة مناهضة للتطبيع مع الكيان الصهيوني أمام مركز الدراسات الاستراتيجية. في الوقفة نفسها، قام الأمن الجامعي بسحب اللافتات. مطلع هذا العام، وثّق الطلبة بعدساتهم صورًا للأمن الجامعي في الجامعة الهاشمية يزيل ملصقات تحمل صورة المسجد الأقصى وعبارة: “فلتكن بوصلتكم نحو الأقصى، نحو فلسطين، كل فلسطين”.
“تزعزع هذه التصرفات الھمجیة ثقةً بالكاد تكون موجودة مع الجهات الرسمية والعمادات التي ٺضیّق على الطلبة في تنظيم فعالياتهم وتأكيد مواقفهم الوطنية”، بحسب بيان شاركته القوى الطلابية في الجامعات الأردنية. كما تُظهر حجم التناقض ما بين الواقع الأمني والسلطة المزاجية من جهة، وخطاب الإصلاح السياسي وتمكين الشباب ونظام تنظيم العمل الحزبي في مؤسسات التعليم العالي، بالتحديد مواده التي “تحظر التعرّض للطلبة”، من جهةٍ أخرى. ما نريده من العمادات ليس أن تشارك في وقفات الطلبة التضامنية ثم تسمّي انتهاك حقوق الطلبة “بتصيّد الأخطاء”، بل نريد منها تمامًا ما تطلبه من الطلبة، وهو أن تحسّن خطّها، خطهّا السياسي والوطني والحقوقي.