
رفض الشارع الأردني تمرير مشروع قانون الجرائم الإلكترونية لعام 2023 بعد أن ناقشه وأقره مجلس النواب الأردني في 27 تموز. كجزء من هذا الشارع، نشرت الكتل الطلابية بياناتٍ وشاركت بعضها في وقفات احتجاجية تطالب بردّ هذا القانون الذي يمسّهم بشكل أساسي كشريحة واسعة من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي. يقول البيان الذي وقّعت عليه أكثر من 15 جهة طلابية “إننا كحركةٍ طلابية نستنكر إقرار هذا القانون ونعتبره دلالةً على تراجع الحريّات العامة وهامش العمل السياسي، ومزيدًا من التضييق على العمل السياسي والطلابي والعام”. من هنا، يحاول هذا المقال استعراض واقع مشاركة الطلبة في رفض قانون الجرائم الإلكترونية وتعديلاته الفضفاضة وأثرها على العمل الطلابي.
ما هو قانون الجرائم الإلكترونية؟
أقرّت الحكومة عام 2010 قانون الجرائم الإلكترونية (قانون جرائم أنظمة المعلومات سابقًا) لتنظيم الفضاء الرقمي والاستجابة للجرائم التي قد تقع ضمنه. عام 2015، تم تعديل القانون وإضافة مادة لتجريم الذم والقدح أصبحت سندًا قانونيًا لمئات التوقيفات بين الصحفيين والناشطين. ظلت هذه النسخة من القانون فاعلة حتى تموز العام الجاري رغم بعض التعديلات التي جاءت عام 2018 لتجريم خطاب الكراهية لكنّها لم تسري جراء احتجاجات الرابع التي أسقطت حكومة هاني الملقي وتبعتها حكومة عمر الرزاز خلفًا له.
على وجه الاستعجال ولمدة لا تتجاوز ست ساعات، أقرّ مجلس النواب قانون الجرائم الإلكترونية الجديد لعام 2023، والذي لا يجرّم الذم والقدح فقط، بل يغيّر شكل الحياة السياسية بالكامل ويجرّم مفاهيمًا مفرطة في النسبية دون إيراد تعريفات محددة لها بعقوبات تصل إلى 3 سنوات في السجن وغرامات تتجاوز 50 ألف دولار، مثل “الأخبار الكاذبة، الذم، القدح، التحقير، التشهير، اغتيال الشخصية، إثارة الفتنة أو النعرات، النيل من الوحدة الوطنية، الحض على الكراهية، الدعوة إلى العنف أو تبريره، ازدراء الأديان”.
تزيد هذه المواد من الرقابة الذاتية بين الأفراد وإمكانية توقيفهم للتعبير عن رأيهم، وتحصّن الجهات الرسمية والشخصيات العامة من النقد بدلًا من مساءلتهم على أدوارهم. بالإضافة لذلك، يجرم القانون استخدام الشبكات الافتراضية الخاصة (vpn) ويتيح للحكومة ملاحقة الأفراد دون الحاجة الى تقديم شكوى أو ادعاء بالحق الشخصي وتمنح المدعي العام صلاحيات إزالة أو حظر الصفحات والمواقع، عدا عن التوسع في اشتراطات عمل منصات التواصل الاجتماعي في المملكة.
كيف يؤثر القانون على العمل الطلابي؟
يواجه العمل الطلابي في الأردن جملة من التحديات الواسعة حتى قبل إقرار هذا القانون والمتمثلة في ملاحقة الطلبة الناشطين والتضييق عليهم، وامتناع الجامعات عن عقد انتخابات اتحاد الطلبة منذ جائحة كورونا، والمشاكل البنيوية والتنظيمية للكتل نفسها. مع إقرار هذا القانون، قد يبدو احتمالًا واردًا أن يتعرّض الطلبة للسجن ودفع الغرامات الباهظة في حال انتقدوا أداء عميد شؤون الطلبة في جامعتهم أو سياسات وزارة التعليم العالي حول غياب العدالة في التعليم الجامعي أو حتى ممارسات بعض أعضاء الهيئة الأكاديمية والإدارية والأمن الجامعي تجاههم.
يتفاعل الطلبة مع الأحداث من حولهم على الصعيد المحلي أو الإقليمي ويعبّرون عن دعمهم لقضاياهم الوطنية والحقوقية العادلة، على إثرها، شهد الشارع الطلابي ملاحقة واستجواب العديد منهم على منشورات رافضة للتطبيع أو ناقدة لممارسات الجامعة وسياساتها في عقد الفعاليات، الأمر الذي سيكرسه قانون الجرائم الالكترونية رغم أنّه ينافي جوهر مواد الدستور وتعليمات العمل الطلابي ونظام تنظيم العمل الحزبي في الجامعات الأردنية والتي نصّت على منع التعرض للطلبة بموجب انتماءاتهم السياسية أو الحزبية.
في الأردن، يوجد أكثر من ستة مليون مستخدم لوسائل التواصل الاجتماعي، غالبيتهم من الفئة العمرية الشابة التي تعتمد على شبكات التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار والمعلومات في ظل انعدام الثقة بمؤسسات الإعلام الرسمي. بعد فترة الكورونا، اعتمد الطلبة بشكل كبير على الفضاء الإلكتروني للتعبير عن مطالبهم في أوسمة (هاشتاقات) مثل التعليم الوجاهي حقي وجامعات مش شركات والتطبيع خيانة. لم يكتفِ الطلاب بالتعبير المحض عن استيائهم من ضغط الامتحانات وسوء إدارة الجامعات ومنع عقد الأنشطة، بل شكلت هذه المنصات أساسًا للتحرك بشكل منظم وفضاءًا عامًا يمكن للطالبات أيضًا التعبير فيه عن بعض الاعتداءات التي يتعرضن لها في الحرم الجامعي.
ماذا يمكننا أن نفعل؟
سيشكّل إقرار هذا القانون تعزيزًا للقبضة الأمنية وتكميم الأفواه وحصرًا النقاش الحقوقي بقلة من الطلبة، وحتى لا يكونوا عرضة للملاحقة والمسائلة القانونية وأداة لتعزيز الرقابة الذاتية على الأفراد وإيقاع أغلط العقوبات بحقهم وتفكيك الصفوف الطلابية أكثر مما هي مفككة، على الكتل الطلابية أن تعمل جاهدة على تحدي هذا السقف المحدود من حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل المتاحة وبالاشتباك مع القضايا الحقوقية وتحري الدقة في تغطيتها وتحدي ثقافة الخوف التي وصفتها في بيانها “بالأحكام العرفية”، بشكل يصعّب على الجهات المستفيدة من القانون اقتناص الفرص والنيل من الطلبة وحريتهم.
رغم تأخرها، لم تكن الجامعات بمعزل عن الحوار العام حول قانون الجرائم الإلكترونية والذي تم حصره بنخبة مجتمعية من الحزبيين والناشطين رغم أثره الذي يطال كل المواطنين الأردنيين. كما أنّ إقرار القانون، وحتى المصادقة عليه ونشره في الجريدة الرسمية، ينبغي أن يشكّل مرحلة أكثر جدية في المطالبة بتعديله ومراجعة مواده ومناقشته مجددًا تحت القبة البرلمانية، تأثرًا وتجديدًا لبعض الحراكات المجتمعية التي رفضت القانون عام 2018 مثل حملة حر يا نت.
لطالما كان الطلبة على استعداد كامل للدفاع عن مواقفهم ودفع ثمن آرائهم التي لا تروق للسلطات، لكن ذلك لا يبرر استهدافهم بقوانين فضفاضة تتعارض مع كل خطابات الاصلاح السياسي والتمكين. على صعيد آخر، يسلّط هذا القانون الضوء على الحاجة لتعميم ممارسات الأمان والسلامة الرقمية والمتمثلة في حماية الحسابات الشخصية من أن تكون عرضة للمراقبة أو استخدام كلمات سر آمنة لا تسهّل عمليات الاختراق أو الاتصال بالانترنت من شبكات موثوقة بخلاف الشبكات العامة والتخزين والنقل الآمن للمستندات والبيانات الشخصية.
عام 2020، نظمت القوى الطلابية جميعها دون استثناء في الجامعة الأردنية فعالية ساخرة أمام البوابة الرئيسية بعنوان “آسفين يا إدارة”، رفضًا لقمع الحريات الطلابية وممارسات إدارة الجامعة بتحويل الطلبة للجان التحقيق على خلفية منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، وممارسة الضغط على الطلبة لنشر اعتذاراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. حمل الطلبة في هذه الوقفة لوحات كثيرة، واحدة منها حملت عبارة: “الطالب المثالي لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم”.