
في مثل هذا اليوم، انطلقت المدونة الطلابية العام الماضي رغبةً في توثيق وتغطية قضايا طلبة الجامعات الأردنية وحراكهم الحقوقي والوطني. بجهود الطلبة وحدهم، تم تصميم وإطلاق الموقع وصفحات المدونة على الفيسبوك والانستغرام وكتابة مجموعة مميزة من المقالات المكتوبة وإعداد سلاسل مرئية توثيقية لأهم الأحداث الطلابية. جاءت المدونة تحديًا للظروف الصعبة التي يمر بها الحراك الطلابي الأردني من تراجع مستويات حريات التعبير والعمل التنظيمي والسياسي وارتفاع تكاليف الدراسة وغياب اتحاد الطلبة واستهداف القيم الأخلاقية والوطنية.
نلتزم في المدونة -وما زلنا نطوّر- بسياسة تحريرية وطنية تقدميّة تؤمن بحقوق الطلبة على مختلف توجهاتهم في التعلّم والتعبير عن الرأي والتجمع والمشاركة السياسية. عندما اندلعت عملية طوفان الأقصى، والحرب الإسرائيلية على غزة، في السابع من تشرين الأول الماضي، أصبحت المدونة أكثر إدراكًا لدورها في تعزيز الحراك الطلابي الوطني وإمكانياته في قيادة حالة مستدامة من النضال، وكذلك التحرر من كل المفاهيم الأجنبية الدخيلة والقيم المستوردة التي طالت الأوساط الطلابية والجامعات وتحركاتها.
نأمل في المدونة أن نتيح للطلبة كلّهم، مساحةً ينشرون فيها قصصهم وقضاياهم الطلابية التي تتقاطع مع مختلف تفاصيل حياتهم الجامعية؛ عندما يسجلون جدول المواد ويركبون الباص لحضور المحاضرات ويتقدمون بطلب تنظيم فعالية ويدلون بصوتهم في الانتخابات، ويشترون زجاجة مياه من أكشاك الجامعة ويستعيرون كتابًا من المكتبة، ويشاركون في تنظيم ندوة معرفية ويهتفون في وفقة احتجاجية وغيرها من التجارب الكثيرة.
تُدار المدونة بشكل تطوعي، عبر مجموعة من الصحفيين والصحفييات الصاعدين ممّن يتولّون مسؤولية تحرير المواد والمدونات الصحفية، والأهم، عبر شبكة من الطلبة من مختلف الجامعات الأردنية الذين يقدمون المقترحات الصحفية ويكتبون المدونات بلغة بسيطة وتوثيقية ومهنية، مستندين على تجارب عملية يمرّون فيها، ومضيفين لتجربة طلابية تاريخية راكمها الحراك الطلابي في الأردن منذ عشرات السنين. تحرص المدونة على تطوير مهارات مراسليها من الطلبة، ولذلك تعقد بشكل دوري ورشات للكتابة الصحفية والمناظرات والتصوير، وتتعاون في تقديم خدماتها الصحفية والتحريرية والتدريبية للكتل والأفرقة والتجمعات الطلابية داخل الجامعات.
في المدونة، يمكن لطالب من الجامعة الأردنية فرع العقبة جنوب الأردن أن يكون على معرفة وتواصل واطلاع على قضايا طلبة آخرين في جامعة العلوم والتكنولوجيا شمالها، والعكس صحيح. وبذلك، فإنّ القضايا الطلابية والتفاعل معها يأتي من منطلق جمعي تتوحد فيه الجهود لتكون أكثر فعالية وجدوى. المدونة غير مرتهنة لأيّ شكل من أشكال التمويل الأجنبي المشروط أو الانحيازات الفردية الضيقة، لكنّها بالضرورة منحازة لموقفين، هما مصلحة الطالب وهمومه الوطنية.
خلال عام واحد، نشرنا في المدونة الطلابية أربعين مادّة صحفية، تناولت حقوق الطلبة في المشاركة في الوقفات الاحتجاجية وتلقي تعليم ذي جودةٍ عالية، وارتياد مرافق مؤهلة ورفض التطبيع الأكاديمي، ووثّقنا محطّات طلابية مختلفة مثل الاعتصام المفتوح وتجربة الاتحاد العام للطلبة وتأسيس الملتقى الطلابي لدعم المقاومة وتفاعل الطلبة مع طوفان الأقصى. ساهمت المدونة في الحوار القانوني الطلابي حول نظام تنظيم العمل الحزبي داخل الجامعات، وأثر قانون الجرائم الإلكترونية على العمل الطلابي، وتعديلات صندوق دعم الطالب، وتعليمات رديات الطالب المتميز، وسياسة الدفع قبل التسجيل.
في هذه المادة، نقترح عليكم مجموعة من أبرز المدونات الطلابية التي نشرناها خلال العام الماضي، وتنوعت تغطيتها ما بين التقارير ومقالات الرأي والمدونات الشخصية والمواد البحثية. كان للقضية الفلسطينية جزءًا كبيرًا من تغطية المدونة الطلابية، تكثّفت هذه التغطية بدءًا من تشرين الأول الماضي، وأثارت لدينا أسئلة كثيرة حول استقلالية الأنظمة والمناهج التعليمية، ومحددات العمل التنظيمي وحرية التعبير الرأي، والفرص السياسية التي تتيحها الظروف الصعبة، ودور الطلبة في قيادة الشارع السياسي وإعادة ترتيب أولوياته.
في مادة “تفاعل الطلبة مع الحرب على غزة: ماذا حقّقنا؟“، قدّم طالب كلية الحقوق في جامعة آل البيت، عدي العليمات، توصيفًا دقيقًا للتحركات الطلابية الميدانية والرقمية التي عُقدت خلال مئة يوم من الحرب، وتحليلًا نقديًا للمشهد الطلابي في محاولة لتوثيق الفعاليات الطلابية وأدوارها، وتطوير الممارسة الطلابية ورفع سقفها بحيث تأخذ منحى أكثر استدامة وجدية. ما يجعل قراءة مادة كهذه أمرًا ضروريًا في ظروف كهذه هي أنّها قدّمت الدروس المستفادة من تجربة طلابية رافقت أحداثًا تاريخيًا وقضايا وطنية مفصلية، وأضاءت على جوانب الضعف والقصور الجديرة بلفت النظر.
وضعنا في مادة “صور وخط زمني: الجامعات الأردنية تلبي نداء طوفان الأقصى” مجهودًا توثيقيًا كبيرًا في رصد عشرات الوقفات الاحتجاجية التي اجتاحت الجامعات لتعبر عن موقف طلابي راسخ من القضية الفلسطينية، ورصدنا كذلك بشكل مبكر ملامح التضييقات التي تعرضت لها هذه الوقفات من منع التنظيم أو تحديد مدتها أو التحقيق مع الطلبة أو محاولة إفشالها. شكّلت هذه المادة مرجعًا مستمرًا حول شرارة التفاعل مع طوفان الأقصى وشكل وحجم وسقف الوقفات الطلابية، شأنها شأن المادة التي قدّمت حوارًا مع أحد أعضاء الهيئة للملتقى الطلابي لدعم المقاومة.
لم تغفل تغطية المدونة الطلابية عن الواقع التعليمي في غزة، والذي رصده طالب الهندسة في الجامعة الأردنية في تقرير حول استهداف الاحتلال الإسرائيلي للجامعات والمدارس خلال حروبه على غزة بما فيها الحالية، عبر القصف والحصار واغتيال القيادات وضرب المنظومة التعليمية. كما نشرت المدونة حصرًا رسالة كتبها الأسير الأردني الفلسطيني منير مرعي والمعتقل في سجون الاحتلال منذ عام 2003، مخاطبًا الطلبة الجامعيين ومتحدّثًا عن دورهم. قادت طالبة التربية الخاصة في الجامعة الهاشمية رغد أبو عودة جهود الحصول على نسخة مكتوبة من هذه الرسالة والتنسيق مع محامي الأسير وشقيقته.
ضمن كل التغطيات المتقاطعة والمتفاعلة مع الحرب الإسرائيلية على غزة، حرصنا على تقديم مواد نوعيّة تعالج قضايا طلابية تزامنت مع هذه الأحداث؛ أهمّها تعديل تعليمات صندوق دعم الطالب ومماطلة العمادات في تقديم موافقات الفعالية الطلابية. أعدنا أيضًا نشر مادة تتناول تحديات غياب النقل الآمن للطلبة بعد استشهاد خمسة طالبات جامعيات جراء حادث سير رافق بداية فصل الشتاء.
حظيت مواد كثيرة نشرت قبل طوفان الأقصى بقراءات مرتفعة خلال شهري تشرين الأول والثاني الماضيين، وذلك لأنّها حاولت الإجابة على أسئلة كثيرة أصبحت أكثر إلحاحًا منذ الحرب الأخيرة. أبرز هذه المواد هي مقال “هل يحرّر التعليم الجامعي تفكيرنا؟” بقلم طالبة اللغة الانجليزية في الجامعة الأردنية بيسان أبو سريس، و”وجوه من الحركة الطلابيّة في الأردن وفلسطين” بقلم طالب الهندسة في جامعة البوليتكنك علاء القدومي، و”دروس مستفادة من الاعتصام المفتوح في ذكراه السابعة” بقلم خريج الهندسة من الجامعة الأردنية والناشط الطلابي سمير مشهور.
نأمل بعد عام من نشر المواد الصحفية أن تشكّل المدونة مرجعية طلابية توثّق الحراك الطلابي الأردني وتساهم في حواراته المستمرة وتدعم أنشطتهم الحقوقية والوطنية، حيث لا أحد يتحدث بالنيابة عن الطلبة إلّا الطلبة أنفسهم، ولا مجدًا إلا ما يصنعه حراكهم المنظّم والواعي.